هي التي يشبه حالها حال الاسم، لأن الهيئة تخصّ جنسا دون جنس، كما أن الاسم كذلك، والثوب على الإطلاق لا يفعل ذلك إلا بخصائص تقترن به وترعى معه، فإذا كان السامع قولك:«زيد أسد» لا يتوهّم أنك قصدت أسدا على الحقيقة، لم يكن الاسم قد لحقه، ولم تكن قد أعرته إياه إعارة صحيحة، كما أنك لم تعر الرجل هيئة الملك حين لم تزل عنه ما يعلم به أنه ليس بملك.
هذا، وإذا تأمّلنا حقيقة الاستعارة في اللغة والعادة، كان في ذلك أيضا بيان لصحة هذه الطريقة، ووجوب الفرق بين القسمين. وذاك أن من شرط المستعار أن يحصل للمستعير منافعه على الحدّ الذي يحصل للمالك، فإن كان ثوبا لبسه كما لبسه، وإن كان أداة استعملها في الشيء تصلح له، حتى إنّ الرائي إذا رآه معه لم تنفصل حاله عنده من حال ما هو ملك يد ليس بعاريّة، وإما يفضله المالك في أنّ له أن يتلف الشيء جملة، أو يدخل التلف على بعض أجزائه قصدا، وليس للمستعير ذلك. ومعلوم أنّ ما هو كالمنفعة من الاسم أن يوجب ذكره القصد إلى الشيء في نفسه. فإذا قلت:«زيد»، علم أنك أردت أن تخبر عن الشخص المعلوم، وإذا قلت:
«لقيت أسدا»، علم أنك علّقت اللقاء بواحد من هذا الجنس.
وإذا كان الأمر كذلك، ثم وجدنا الاسم في قولك:«عنّت ظبية»، يعقل من إطلاقه أنك قصدت الجنس المعلوم ولا يعلم أنك قصدت امرأة، فقد وقع من المرأة في هذا الكلام موقعه من ذلك الحيوان على الصحة، فكان ذلك بمنزلة أن المستعير ينتفع بالمستعار انتفاع مالكه، فيلبسه لبسه، ويتجمّل به تجمّله، ويكون مكانه عنده مكان الشيء المملوك، حتى يعتقد من ينظر إلى الظاهر أنه له.
ولما وجدنا الاسم في قولك:«زيد أسد»، لا يقع من زيد ذلك الموقع، من حيث إنّ ذكره باسمه يمنع من أن يصير الاسم مطلقا عليه، ومتناولا له على حدّ تناوله ما وضع له، كان وزان ذلك وزان أن تضع عند الرجل ثوبا وتمنعه أن يلبسه، أو بمنزلة أن تطرح عليه طرف ثوب كان عليك، فلا يكون ذلك عاريّة صحيحة، لأنك لم تدخله في جملته، ولم تعطه صورة ما يختص به ويصير إليه، ويخفى كونه لك دونه. فاعرفه.
وهاهنا فصل آخر من طريق موضوع الكلام، يبيّن وجوب الفرق بين القسمين:
وهو أن الحالة التي يختلف في الاسم إذا وقع فيها، أيسمّى استعارة أم لا يسمّى؟ هي الحالة التي يكون الاسم فيها خبر مبتدأ أو منزّلا منزلته، أعني أن يكون خبر «كان»،