وإذا كان كذلك، بان أن الاسم في قولك:«زيد أسد»، مقصود به إيقاع التشبيه في الحال وإيجابه، وأما في قولك:«عنّت لنا ظبية» و «سللت سيفا على العدوّ»، فوضع الاسم هكذا انتهازا واقتضابا على المقصود، وادّعاء أنه من الجنس الذي وضع له الاسم في أصل اللغة.
وإذا افترقا هذا الافتراق، وجب أن نفرق بينهما في الاصطلاح والعبارة، كما أنّا نفصل بين الخبر والصفة في العبارة، لاختلاف الحكم فيهما، بأنّ الخبر إثبات في الوقت للمعنى، والصفة تبيين وتوضيح وتخصيص بأمر قد ثبت واستقرّ وعرف.
فكما لم نرض لاتفاق الغرض في الخبر الصّفة على الجملة واشتراكهما إذا قلت:
«زيد ظريف» و «جاءني زيد الظّريف»، في التباس زيد في الظرف واكتسائه له، أن تجعلهما في الوضع الاصطلاحيّ شيئا واحدا، ولا نفرّق بتسميتنا هذا خبرا وذلك صفة كذلك ينبغي أن لا يدعونا- اتفاق قولنا:«جاءني أسد» و «هززت سيفا صارما» وقولنا: «زيد أسد» و «سيف صارم»، في مطلق التشبيه- إلى التسوية بينهما، وترك الفرق من طريق العبارة، بل وجب أن نفرّق، فنسمّي ذاك «الاستعارة» وهذا تشبيها».
فإن أبيت إلا أن تطلق الاستعارة على هذا القسم الثاني، فينبغي أن تعلم أن إطلاقها لا يجوز في كل موضع يحسن دخول حرف التشبيه فيه بسهولة، وذلك نحو قولك:«هو الأسد» و «هو شمس النهار» و «هو البدر حسنا وبهجة،
والقضيب عطفا»، وهكذا كل موضع ذكر فيه المشبّه به بلفظ التعريف. فإن قلت:«هو بحر» و «هو ليث» و «وجدته بحرا»، وأردت أن تقول إنه استعارة، كنت أعذر وأشبه بأن تكون على جانب من القياس، ومتشبّثا بطرف من الصواب. وذلك أن الاسم قد خرج بالتنكير عن أن يحسن إدخال حرف التشبيه عليه، فلو قلت:«هو كأسد» و «هو كبحر»، كان كلاما نازلا غير مقبول، كما يكون قولك:«هو كالأسد»، إلا أنّه وإن كان لا يحسن فيه الكاف فإنه يحسن فيه «كأنّ» كقولك: «كأنه أسد»، أو ما يجري مجرى «كأنّ» في نحو «تحسبه أسدا» و «تخاله سيفا». فإن غمض مكان الكاف و «كأن»، بأن يوصف الاسم الذي فيه التشبيه بصفة لا تكون في ذلك الجنس، وأمر خاصّ غريب فقيل:«هو بحر من البلاغة»، و «هو بدر يسكن الأرض»، و «هو شمس لا تغيب»، وكقوله (١): [من الكامل]
شمس تألّق والفراق غروبها ... عنّا، وبدر والصّدود كسوفه