للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كنت تقول: «الأمر كلّه لله»، فتعلم أنه على سبيل أن لا سلطان لأحد دونه ولا استبداد وكذلك إذا قلت للمخلوق: «الأمر بيدك»، أردت المثل، وأنّ الأمر كالشيء يحصل في يده من حيث لا يمتنع عليه.

فما معنى التوقّف في أن «اليمين» مثل، وليست باسم للقدرة، وكاللغة المستأنفة؟ ومن أين يتصوّر ذلك وأنت لا تراها تصلح حيث لا وجه للمثل والتشبيه؟ فلا يقال: «هو عظيم اليمين»، بمعنى عظيم القدرة، و «قد عرفت يمينك على هذا»، كما تقول: «عرفت قدرتك».

وهكذا شأن البيت، إذا أحسنت النّظر وجدته إذا لم تأخذه من طريق المثل، ولم تأخذ مجموع المعنى من مجموع

التلقّي واليمين على حدّ قولهم: «تقبّلته بكلتا اليدين»، وكقوله (١): [من الطويل]

ولكن باليدين ضمانتي ... وملّ بفلج فالقنافذ عوّدي

وقبل هذا البيت (٢): [من الطويل]

لعمرك ما ملّت ثواء ثويّها ... دليجة، إذ ألقى مراسي مقعد

وهو يشكوك إلى طبع الشعر، ورأيت المعنى يتألّم ويتظلّم.

وإن أردت أن تختبر ذلك فقل:

إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين (٣)


(١) البيت لأوس بن حجر في ديوانه يمدح فيهما حليمة بنت فضالة بن كلدة ويذكر فضلها وذلك حين صرعته ناقته. الأغاني ١١/ ٧٦. ويروى الشطر الثاني منه بلفظ:
وحلّ بشرج م القبائل عوّدي والضمانة: مرض يصيب الجسد من كبر أو بلاء أو نحوهما. والفلج والقنافذ: موضعان فالفلج موضع بين البصرة وضريّة، وقيل: هو واد بطريق البصرة إلى مكة، والقنافذ: أرض فيها صعود وهبوط، وقيل: أجبل رمل. وعوّدي: جمع عائد، وهو الذي يعود المريض وأضيفت إلى ياء المتكلم.
(٢) البيت لأوس بن حجر في ديوانه وهو يسبق البيت السابق في الترتيب، وهو في الأغاني أيضا ١١/ ٧٦. والثواء: الإقامة والثويّ: المقيم وهو الضيف. «وألقى مراسي مقعد» يريد أقام عندها لا يستطيع الحركة، والمقعد: الذي أقعده المرض أو غيره. ويروى البيت «حليمة» بدل «دليجة».
انظر السابق.
(٣) سبق تخريجه، ويروى «تناولها عرابة باقتدار» بدل «باليمين».

<<  <   >  >>