فعل لزيد، أو ليس بفعل له، وأن المرض صفة له، أو ليس بصفة له، شيء يضعه المتكلم ودعوى يدّعيها. وما يعترض على هذه الدعوى من تصديق أو تكذيب، أو اعتراف أو إنكار، وتصحيح أو إفساد، فهو اعتراض على المتكلّم، وليس اللغة من ذلك بسبيل، ولا منه في قليل ولا كثير.
وإذا كان كذلك، كان كلّ وصف يستحقّه هذا الحكم من صحة وفساد، وحقيقة ومجاز، واحتمال واستحالة، فالمرجع فيه والوجه إلى العقل المحض وليس للغة فيه حظّ، فلا تحلى ولا تمرّ، والعربيّ فيه كالعجميّ، والعجميّ كالتركيّ، لأن قضايا العقول هي القواعد والأسس التي يبنى غيرها عليها، والأصول التي يردّ ما سواها إليها.
فأما إذا كان المجاز في المثبت كنحو قوله تعالى: فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ [سورة فاطر: ٩]، فإنما كان مأخذه اللغة، لأجل أنّ طريقة المجاز بأن أجري اسم الحياة على ما ليس بحياة، تشبيها وتمثيلا، ثم اشتقّ منها- وهي في هذا التقدير- الفعل الذي هو «أحيا»، واللغة هي التي اقتضت أن تكون الحياة اسما للصّفة التي هي ضدّ الموت، فإذا تجوّز في الاسم فأجري على غيرها، فالحديث مع اللغة، فاعرفه.
إن قال قائل في أصل الكلام الذي وضعته على أن المجاز يقع تارة في الإثبات، وتارة في المثبت، وأنه إذا وقع في
الإثبات فهو طالع عليك من جهة العقل، وباد لك من أفقه وإذا عرض في المثبت فهو آتيك من ناحية اللغة:
ما قولكم إن سوّيت بين المسألتين، وادّعيت أن المجاز بينهما جميعا في المثبت وأنزّل هكذا فأقول:«الفعل» الذي هو مصدر «فعل» قد وضع في اللغة للتأثير في وجود الحادث، كما أن الحياة موضوعة للصفة المعلومة، فإذا قيل:«فعل الرّبيع النّور»، جعل تعلّق النّور في الوجود بالربيع من طريق السّبب والعادة «فعلا»، كما تجعل خضرة الأرض وبهجتها حياة، والعلم في قلب المؤمن نورا وحياة. وإذا كان كذلك، كان المجاز في أن جعل ما ليس بفعل فعلا، وأطلق اسم الفعل على غير ما وضع له في اللغة، كما جعل ما ليس بحياة حياة وأجري اسمها عليه، فإذا كان ذلك مجازا لغويّا، فينبغي أن يكون هذا كذلك.
فالجواب أنّ الذي يدفع هذه الشبهة، أن تنظر إلى مدخل المجاز في المسألتين.
فإن كان مدخلهما من جانب واحد، فالأمر كما ظننت، وإن لم يكن كذلك استبان لك الخطأ في ظنّك.
والذي بيّن اختلاف دخوله فيهما، أنك تحصل على المجاز في مسألة «الفعل»