للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإبهام الذي يراد كشفه منه هو احتماله الأجناس، فيسمّي الحال مثلا تمييزا، من حيث أنك إذا قلت: «راكبا»، فقد ميّزت المقصود وبيّنته، كما فعلت ذلك في قولك:

«عشرون درهما» و «منوان سمنا» و «قفيزان برّا» و «لي مثله رجلا» و «لله درّه رجلا».

وليس هذا المذهب بالمذهب المرضيّ، بل الصواب أن تقصر «الاستعارة» على ما نقله نقل التشبيه للمبالغة، لأن هذا نقل يطّرد على حدّ واحد، وله فوائد عظيمة ونتائج شريفة، فالتطفل به على غيره في الذكر، وتركه مغمورا فيما بين أشياء ليس لها في نقلها مثل نظامه ولا أمثال فوائده، ضعف من الرأي وتقصير في النظر.

وربما وقع في كلام العلماء بهذا الشأن «الاستعارة» على تلك الطريقة العامّية، إلا أنه لا يكون عند ذكر القوانين وحيث تقرّر الأصول. ومثاله أن أبا القاسم الآمدي قال في أثناء فصل يجيب فيه عن شيء اعترض به على البحتري في قوله (١): [من الكامل]

فكأنّ مجلسه المحجّب محفل ... وكأنّ خلوته الخفيّة مشهد

أن المكان لا يسمّى مجلسا إلّا وفيه قوم. ثم قال: «ألا ترى إلى قول مهلهل (٢):

[من الكامل] واستبّ بعدك يا كليب المجلس


(١) البيت للبحتري في ديوانه، ذكره الآمدي في الموازنة وقال أيضا: ومما نسبوا فيه البحتري إلى سواء القسمة قوله:
فكأن مجلسه المحجب محفل ... وكأن خلوته الخفية مشهد
وقالوا: «إنه ليس في المصراع الثاني من الفائدة إلا ما في الأول لأن مجلسه المحجب هي خلوته الخفية، وقوله محفل كقوله مشهد، والمعنى عندي صحيح لأن المجلس المحجب قد يكون فيه الجماعة الذين يخصهم وفي الأكثر الأعم لا يسمى مجلسا إلا وفيه قوم. ألا ترى إلى قول مهلهل:
واستب بعدك يا كليب المجلس. أي أهل المجلس على الاستعارة فجعل البحتري مجلسه الذي احتجب فيه مع من يخصه كالحفل والمحفل هو الجمع الكثير والخلوة الخفية قد يكون منفردا أو يكون معه محبوبه فبينها وبين المجلس فرق أي: فكأنه إذا خلا خلوة خفية ففيها معه من يشاهده ومن يشاهده يجوز أن يكون واحدا أو اثنين، والمحفل لا يكون إلا عددا كثيرا، فهذا أيضا فرق صحيح بين المحفل والمشهد. وإنما
أراد البحتري أنه لا يفعل في مجلس المحجب إلا ما يفعله إذا حضره من يشاهده ينسبه إلى شدة التصون وكرم السريرة» اه. (رشيد).
(٢) البيت هو للمهلهل في رثاء أخيه كليب وصدر البيت:
نبئت أن النار بعدك أوقدت وفي تاج العروس (جلس)، وأمالي القالي ١/ ٩٥، وسمط اللآلي ص ٢٩٨.

<<  <   >  >>