اليد» اسما وضع للنعمة ابتداء، ثم نقلت إلى الجارحة، لم يكن ذلك مستحيلا.
وكذلك لو ادّعى مدّع أنّ جري اليد على النعمة أصل ولغة على حدتها، وليست مجازا، لم يكن مدّعيا شيئا يحيله العقل. ولو حاول محاول أن يقول في مسألتنا قولا شبيها بهذا، فرام تقدير شيء يجري عليه اسم الأسد على المعنى الذي يريده بالاستعارة، مع فقد السبع المعلوم، ومن غير أن يسبق استحقاقه لهذا الاسم في وضع اللغة، رام شيئا في غاية البعد.
وعبارة أخرى: العاريّة من شأنها أن تكون عند المستعير على صفة شبيهة بصفتها وهي عند المالك، ولسنا نجد هذه الصورة إلا فيما نقل التشبيه للمبالغة دون ما سواه. ألا ترى أن الاسم المستعار يتناول المستعار له، ليدلّ على مشاركته المستعار منه في صفة هي أخصّ الصفات التي من أجلها وضع الاسم الأول؟ أعني أن الشجاعة أقوى المعاني التي من أجلها سمّي الأسد أسدا، وأنت تستعير الاسم للشيء على معنى إثباتها له على حدّها في الأسد.
فأما «اليد» ونقلها إلى النعمة، فليست من هذا في شيء، لأنها لم تتناول النعمة لتدلّ على صفة من صفات اليد بحال. ويحرّر ذلك نكتة: وهي أنك تريد بقولك: «رأيت أسدا»، أن تثبت للرجل الأسدية، ولست تريد بقولك:«له عندي يد»، أن تثبت للنعمة اليديّة، وهذا واضح جدّا.
واعلم أنّ الواجب كان أن لا أعدّ وضع «الشفة» موضع «الجحفلة»، و «الجحفلة» في مكان «المشفر»، ونظائره التي قدّمت ذكرها في الاستعارة، وأضنّ باسمها أن يقع عليه، ولكني رأيتهم قد خلطوه بالاستعارات وعدّوه معدّها، فكرهت التشدّد في الخلاف، واعتددت به في الجملة، ونبّهت على ضعف أمره بأن سمّيته «استعارة غير مفيدة». وكان وزان ذلك وزان أن يقال:«المفعول على ضربين مفعول صحيح، ومشبّه بالمفعول». فيتجوّز باعتداد المشبّه بالمفعول في الجملة، ثم يفصل بالوصف. ووجه شبه هذا النحو الذي هو نقل «الشفة» إلى موضع «الجحفلة» بالاستعارة الحقيقية، لأنك تنقل الاسم إلى مجانس له. ألا ترى أنّ المراد بالشفة والجحفلة عضو واحد، وإنما الفرق أنّ هذا من الفرس، وذاك من الإنسان، والمجانسة والمشابهة من واد واحد؟ فأنت تقول: أعير الشيء اسمه الموضوع له هنالك أي في الإنسان- هاهنا- أي في الفرس-، لأن أحدهما مثل صاحبه وشريكه في جنسه، كما أعرت الرجل اسم الأسد، لأنه شاركه في صفته الخاصّة به، وهي الشجاعة