عن تغيير حكم من أحكام ما بقي بعد الحذف لم يسمّ مجازا. ألا ترى أنك تقول:
«زيد منطلق وعمرو»، فتحذف الخبر، ثم لا توصف جملة الكلام من أجل ذلك بأنه مجاز؟ وذلك لأنه لم يؤدّ إلى تغيير حكم فيما بقي من الكلام.
ويزيده تقريرا: أن المجاز إذا كان معناه: «أن تجوز بالشيء موضعه وأصله»، فالحذف بمجرّده لا يستحقّ الوصف به، لأنّ ترك الذكر وإسقاط الكلمة من الكلام، لا يكون نقلا لها عن أصلها، إنما يتصوّر النقل فيما دخل تحت النطق.
وإذا امتنع أن يوصف المحذوف بالمجاز، بقي القول فيما لم يحذف. وما لم يحذف ودخل تحت الذكر، لا يزول عن أصله ومكانه حتى يغيّر حكم من أحكامه أو يغيّر عن معانيه، فأما وهو على حاله، والمحذوف مذكور، فتوهّم ذلك فيه من أبعد المحال، فاعرفه.
وإذا صحّ امتناع أن يكون مجرّد الحذف مجازا، أو تحقّ صفة باقي الكلام بالمجاز، من أجل حذف كان على الإطلاق، دون أن يحدث هناك بسبب ذلك الحذف تغيّر حكم على وجه من الوجوه علمت منه أنّ الزيادة في هذه القضية كالحذف، فلا يجوز أن يقال إن زيادة «ما» في نحو: فَبِما رَحْمَةٍ [آل عمران: ١٥٩] مجاز، أو أن جملة الكلام تصير مجازا من أجل زيادته فيه. وذلك أنّ حقيقة الزيادة في الكلمة أن تعرى من معناها، وتذكر ولا فائدة لها
سوى الصّلة، ويكون سقوطها وثبوتها سواء.
ومحال أن يكون ذلك مجازا، لأن المجاز أن يراد بالكلمة غير ما وضعت له في الأصل أو يزاد فيه أو يوهم شيء ليس من شأنه، كإيهامك بظاهر النّصب في «القرية» أن السؤال واقع عليها. والزائد الذي سقوطه كثبوته لا يتصوّر فيه ذلك.
فأما غير الزائد من أجزاء الكلام الذي زيد فيه، فيجب أن ينظر فيه، فإن حدث هناك بسبب ذلك الزائد حكم تزول به الكلمة عن أصلها، جاز حينئذ أن يوصف ذلك الحكم، أو ما وقع فيه، بأنه مجاز، كقولك في نحو قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]: إن الجرّ في «المثل» مجاز، لأن أصله النصب، والجرّ حكم عرض من أجل زيادة «الكاف»، ولو كانوا إذ جعلوا «الكاف» مزيدة لم يعملوها، لما كان لحديث المجاز سبيل على هذا الكلام.
ويزيده وضوحا أن الزيادة على الإطلاق لو كانت تستحق الوصف بأنها مجاز، لكان ينبغي أن يكون كل ما ليس بمزيد من الكلم مستحقّا الوصف بأنه حقيقة، حتى يكون «الأسد» في قولك: «رأيت أسدا» وأنت تريد رجلا، حقيقة.