للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغة اختيار هذه الكتب التي ملكت العجمة عليها أمرها، على الكتب التي ملكت العجمة عليها أمرها، على الكتب التي تهديك إلى العلم الصحيح بمعانيها، وتهدي إليك الذوق السليم بأساليبها، فكادت كتب عبد القاهر تمحى وتنسخ، وصارت حواشي السعد تطبع وتنسخ، وهذا هو حظ العلم النافع إذا ألقي إلى الأمة في طور التدلي والضعف، فمثل عبد القاهر في أسرار بلاغته ودلائل إعجازه، كمثل ابن خلدون في مقدمته والسلطان سليمان العثماني في قوانينه.

رب غذاء طيب نافع عافته النفس لمرض ألم بها حتى إذا نقهت أو أبلت اشتهته وطلبته. وهذا هو مثلنا أمس واليوم،

فقد كنا متفقهين على أخذ العلم من كتب علمائنا المتأخرين كما يختار المريض الغذاء الضار، فظهر فينا هداة مرشدون يسعون في إحياء ما أماته الجهل من آثار سلفنا ومصنفات أئمتنا، ويدلوننا على العلم الحي الذي تفجر من ينابيع النفوس الحية، لنفرق بينه وبين الرسوم الميتة التي سماها الجهل علما.

ولما هاجرت إلى مصر في سنة ١٣١٥ لإنشاء (المنار) الإسلامي ألفيت إمام النهضة الإسلامية الحديثة الأستاذ الحكيم الشيخ محمدا عبده رئيس جمعية إحياء العلوم العربية ومفتي الديار المصرية، اليوم مشتغلا في بعض وقته بتصحيح كتاب دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر الجرجاني. وقد استحضر نسخة من المدينة المنورة ومن بغداد ليقابلها على النسخة التي عنده، فسألته عن كتاب (أسرار البلاغة) للإمام المذكور فقال: إنه لا يوجد في هذه الديار فأخبرته بأن في أحد بيوت العلم في طرابلس الشام نسخة منه، فحثني على استحضارها وطبعها فطلبتها من صديقي الحميم العالم الأديب عبد القادر أفندي المغربي، وهي مما تركه والده فلبى الطلب.

وعلمنا أن نسخة أخرى من الكتاب في إحدى دور الكتب السلطانية في دار السلطنة السنية، فندبنا بعض طلاب العلم الأذكياء لمقابلة نسختنا بتلك النسخة، فخرج لنا من مجموعهما نسخة صحيحة سرعنا في طبعها ووضعنا في ذيل المطبوع شرحا لطيفا ضبطنا فيها الكلمات الغريبة وفسرنا منها ومن جمل الكتاب ما رأيناه يستحق التفسير. وأشرنا إلى الخلاف بين النسختين، فيما يحتمل صحة الاثنتين.

أما كون عبد القاهر واضع الفن ومؤسسه. فقد صرح به غير واحد من العلماء الأعلام، أجلهم قدرا، وأرفعهم ذكرا، أمير المؤمنين محيي علوم اللغة والدين، السيد يحيى بن حمزة الحسيني صاحب كتاب (الطراز، في علوم حقائق الإعجاز)، فقد

<<  <   >  >>