وسرّ هذا الموضع يتجلّى تمام التجلّي إذا تكلّم على الفرق بين التشبيه والتمثيل، وسيأتيك ذلك إن شاء الله تعالى.
وكذا قولهم:«هو مرخى العنان، وملقى الزّمام»، لا وجه لأن تروم شيئا تجري العنان عليه ويتناوله، بل المعنى على انتزاع الشبه من الفرس في حال ما يرخى عنانه، وأن ينظر إلى الصورة التي توجد من حاله تلك في العقل، ثم يجاء بها فيعارها الرجل، ويتصوّر بمقتضاها في النفس ويتمثّل، ولو قلت: إن «العنان» هاهنا بمعنى النهي، وأن المراد أن النهي قد أبعد عنه ونحو ذلك، دخلت في ظاهر من التكلّف، وأتعبت نفسك في غير جدوى، وعادت زيادتك نقصانا، وطلبك الإحسان إساءة.
واعلم أن إغفال هذا الأصل الذي عرّفتك من أن الاستعارة تكون على هذا الوجه الثاني كما تكون على الأوّل مما يعدو إلى مثل هذا التعمّق، فإنه نفسه قد يصير سببا إلى أن يقع قوم في التشبيه، وذلك أنهم إذا وضعوا في أنفسهم أن كل اسم يستعار فلا بد من أن يكون هناك شيء يمكن الإشارة إليه يتناوله في حال المجاز، كما يتناول مسمّاه في حال الحقيقة، ثم نظروا في نحو قوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي [طه: ٣٩] ووَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هود: ٣٧]، فلما لم يجدوا للفظة «العين» ما يتناوله على حدّ تناول «النّور» مثلا للهدى والبيان ارتبكوا في الشكّ وحاموا حول الظاهر، وحملوا أنفسهم على لزومه، حتى يفضي بهم إلى الضلال البعيد، وارتكاب ما يقدح في التوحيد، ونعوذ بالله من الخذلان.
وطريقة أخرى، في بيان الفرق بين القسمين، وهو أن الشبه في القسم الأول الذي هو نحو «رأيت أسدا» تريد رجلا شجاعا، وصف موجود في الشيء الذي له استعرت، واليد ليست توصف لشبه، ولكنه صفته تكسبها اليد صاحبها، وتحصل له بها، وهي التصرف على وجه مخصوص وكذا قولك «أفراس الصّبا»، ليس الشبه الذي له استعرت الأفراس موجودا في الأفراس، بل هو شبه يحصل لما يضاف إليه الأفراس، حيث يراد الحقيقة نحو قولنا:«عرّي أفراس الغزو»، و «أجمّت خيل الجهاد»، وذلك ما يوجبه الفعل الواقع على الأفراس، نحو أنّ وقوع الفعل الذي هو «عرّي» على أفراس الغزو، يوجب الإمساك عن الغزو والترك له وعلى هذا القياس.
وإذ قد تقرر أمر الاسم في كون استعارته على هذين القسمين، فمن حقّنا أن ننظر في «الفعل» هل يحتمل هذا الانقسام. والذي يجب العمل عليه أن الفعل لا يتصوّر فيه أن يتناول ذات شيء، كما يتصور في الاسم، ولكن شأن الفعل أن يثبت