للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكلاهما مرور وقطع للمسافة. وإنما يقع الاختلاف بالسرعة، وحقيقة «السرعة» قلّة تخلّل السكون للحركات، وذلك لا يوجب اختلافا في الجنس (١).

فإن قلت: فإذن لا فرق بين استعارة «طار» للفرس وبين استعارة «الشفة» للفرس، فهلّا عددت هذا في القسم اللّفظيّ غير المفيد؟ ثم إنك إن اعتذرت بأنّ في «طار» خصوص وصف ليس في «عدا» و «جرى»، فكذلك في «الشفة» خصوص وصف ليس في «الجحفلة».

فالجواب: أنّي لم أعدّه في ذلك القسم، لأجل أنّ خصوص الوصف الكائن في «طار» مراعى في استعارته للفرس، ألا تراك لا تقوله في كل حال، بل في حال مخصوصة وكذا «السباحة»، لأنك لا تستعيرها للفرس في كل أحوال حربه. نعم، وتأبى أن تعطيها كلّ فرس، فالقطوف (٢) البليد لا يوصف بأنه سابح.

وأما استعارة اسم لعضو نحو «الشفة» و «الأنف» فلم يراع فيه خصوص الوصف. ألا ترى أن العجّاج لم يرد بقوله: «ومرسنا مسرّجا»، أن يشبّه أنف المرأة بأنف نوع من الحيوان، لأن هذا العضو من غير الإنسان لا يوصف بالحسن، كما يكون ذلك في العين والجيد. وهكذا استعارة «الفرسن» للشاة في قول عائشة رضي الله عنها: «ولو فرسن شاة» (٣)، وهو للبعير في الأصل ليس لأن يشبّه هذا العضو من


(١) تقدم أن من ذلك النوع المستعار لحركة الفرس مستعارا من انقضاض الكواكب والظاهر أن الجنس مختلف هنا والجواب أن الكلام في اختلاف المستعار والمستعار له من حيث وجه الشبه فاختلاف الجنس واقع في وجه الشبه أيضا فإن تلألؤ الشمس غير تلألؤ الوجه في الجنس، وشجاعة الأسد ليست مثل شجاعة الإنسان فإن شجاعة الإنسان يدخل فيها العقل بخلاف شجاعة الأسد وأما الحركات التي ذكرها فإنها جنس واحد والخلاف في عرض وهو السرعة والجواب الأفضل أن الضرب الأول يكون فيه المستعار له على قرب من الشبه في مفهوم المستعار منه لولا غلبة التفرق بالتخصيص وأما في الضرب الثاني فذلك القرب في وجه الشبه أتم فشجاعة البطل تدخل في حد شجاعة الأسد لكن المستعار له لا يمكن أن يدخل في جنس المستعار منه على وجه الحقيقة بحال، فلا يدخل الرجل في الأسد ولا في الشمس إلخ. هذا الذي يظهر من عبارة المصنف اه (رشيد).
(٢) القطوف: سيّئ السير بطيئه.
(٣) الحديث متفق عليه رواه البخاري ٥/ ١٤٤، ١٤٥، ومسلم في ١٠٣٠، والمراد: أي: «لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها؛ بل تجود بما تيسر؛ وإن كان قليلا كفرسن الشاة (وهو خف البعير، ويستعار لظلف الشاة كما في الحديث) فهذا خير من عدمه، قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ بتصرف من شرح رياض الصالحين لابن علان ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦.

<<  <   >  >>