للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكرم المنوّر، والنرجس بمداهن درّ حشوهن عقيق، وكذلك التشبيه من جهة الهيئة نحو: أنه مستو منتصب مديد، كتشبيه قامة الرّجل بالرمح، والقدّ اللطيف بالغصن ويدخل في الهيئة حال الحركات في أجسامها، كتشبيه الذاهب على الاستقامة بالسّهم السديد، ومن تأخذه الأريحيّة فيهتزّ بالغصن تحت البارح، ونحو ذلك وكذلك كل تشبيه جمع بين شيئين فيما يدخل تحت الحواسّ، نحو تشبيهك صوت بعض الأشياء بصوت غيره، كتشبيه أطيط الرحل بأصوات الفراريج، كما قال:

[من البسيط]

كأنّ أصوات، من إيغالهنّ بنا، ... أواخر الميس إنقاض الفراريج (١)

تقدير البيت «كأن أصوات أواخر الميس أصوات الفراريج من إيغالهن بنا» ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله: «من إيغالهن» وكتشبيه صريف أنياب البعير بصياح البوازي، كما قال: [من الطويل]

كأنّ على أنيابها سحرة ... صياح البوازي من صريف اللّوائك (٢)

وأشباه ذلك من الأصوات المشبهة له وكتشبيه بعض الفواكه الحلوة بالعسل والسكّر وتشبيه اللّين الناعم بالخزّ، والخشن بالمسح، أو رائحة بعض الرياحين برائحة الكافور أو رائحة بعضها ببعض كما لا يخفى، وهكذا التشبيه من جهة الغريزة والطباع، كتشبيه الرجل بالأسد في الشجاعة، وبالذئب في النكر. والأخلاق كلّها تدخل في الغريزة نحو السّخاء والكرم واللؤم، وكذلك تشبيه الرجل بالرجل في الشدة والقوة وما يتصل بهما.

فالشبه في هذا كلّه بيّن لا يجري فيه التأوّل، ولا يفتقر إليه في تحصيله، وأيّ


(١) البيت لذي الرمة في ديوانه في قصيدة: «كأنها بكرة أدماء». ص ٤٢. الإيغال: التقدم والدخول؛ الميس: شجر تعمل منه الرحال، ويعني: الرحل.
(٢) البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٩٢، وصيغته هكذا:
كأن على أنيابه كل سدفة ... صياح البوازي من صريف اللوائك
السّحر والسّحر: آخر الليل قبيل الصبح، والجمع أسحار. والسّحرة: السّحر، وقيل: أعلى السحر، وقيل: هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر. واللوائك. جمع لائك، ولائكة: واللوك: أهون المضغ، وقيل: هو مضغ الشيء الصلب الممضغة تديره في فيك، قال الشاعر:
ولو كهم جدل الحصى بشفاههم ... كأنّ على أكتافهم فلقا صخرا
واللّوك: إدارة الشيء في الفم. [لسان العرب: لوك].

<<  <   >  >>