مباحث علمي البديع والبيان بحسب التقسيم الثلاثي للبلاغة عند المتأخرين، كما اشتمل كتابه دلائل الإعجاز على أكثر مباحث (علم المعاني).
وتأتي قيمة هذا الكتاب الجليل (أسرار البلاغة) في أنه يبين وجه الحق في قضية المحسنات البديعية التي اعتبرها البلاغيون المتأخرون أمرا خارجا عن مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فهي مجرد زينة لفظية يؤتى بها بعد استيفاء الكلام وجوه المطابقة، فيؤتى به لمجرد الزخرف والزينة والكلام في غنى عنه.
هذه النظرة الخاطئة هي التي جعلت من البديع حجر عثرة في سبيل ارتقاء النصوص الأدبية في العصر الذي شاعت فيه تلك النظرة العقيمة حيث تبارى قارضو الشعر في تدبيج قصائدهم بصور الزخرف اللفظي الكثيرة المتعددة التي تبارى هؤلاء البلاغيون في تعدادها وبيانها والإيصاء بها.
فكانت سمة تلك العصور هي الإكثار من تلك المحسنات والزخارف دون أن يكون لها دور في التعبير عن المعاني أو الأفكار التي صيغت لها تلك النصوص والأشعار، ولعل هذه النظرة الخاطئة قد ظهرت بوادرها في عصر الإمام عبد القاهر الجرجاني بدليل ما استشهد به من الأبيات الدالة على التكلف في استخدام صور الجناس وغيرها من فنون البديع.
الأمر الذي دعاه إلى أن يرد الأمر إلى نصابه، ويكشف النقاب عن الدور الذي يمكن أن تضطلع به تلك المحسنات
إذا ما أتي بها مواكبة للمعنى، موافقة له، وذلك إذا أرسلت النفوس على سجيتها، ولم يتكلف في إيراد تلك الوجوه من المحسنات.
ولذا فقد اجتهاد الإمام عبد القاهر في وضع ضوابط توظيف تلك المحسنات، وبيان متى تحسن، ومتى تقبح؛ فمن ذلك قوله:«أما التجنيس؛ فإنك لا تستحسن تجانس اللفظتين إلا إذا كان موقع معنييهما من العقل موقعا حميدا، ولم يكن مرمى الجامع بينهما مرمى بعيدا ... إلخ».
وتراه ينعي على المتأخرين في زمانه المغالاة في أمر تلك المحسنات فيقول:
«وقد تجد في كلام المتأخرين الآن كلاما حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ما له اسم في البديع إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم، ويقول ليبين، ويخيل إليه أنه إذا جمع بين أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عناه في عمياء، وأن يوقع