اختلف السلف في كتابة الحديث، فكرهها طائفة وأباحها أخرى.
ثم أجمع أتباع التابعين على جوازه، فقيل أول من صنَّف فيها ابن جُرَيج وقيل مالك، وقيل الربيع بن صُبيح، ثم انتشر تدوينه وجمعه، وظهرت فوائد ذلك ونفعه.
وعلى كَاتِبهِ صرف الهمة إلى ضبطه، وتحقيقه شَكلاً ونَقطًا، بحيث يُؤمَن اللبس معه، ولا يشتغل بتقييد الواضح، ثم قيل يشكل الجميع لأجل المبتدئ وغير المتبحر، ويكون اعتناؤه بضبط الملتبس من أسماء الرجال أكثر، لأنه نَقْلي مَحض، ويُستحب ضبط المُشكِل في المتن وبيانه في الحاشية، لأنه أبلغ ويحقق حروف الخطِّ ولا يعلقه تعليقًا، ولا يُدققه لتخفيف حمله في السفر فإن الخط علامة، فأحسنه أبينه.
قال بعضهم: أكتب ما ينفعك وقت حاجتك إليه، أي وقت الكبر وضعف البصر.
ولا يصطلح مع نفسه برمز لا يعرفه الناس، إلا أن يبين مراده في أول الكتاب ليعرفه من يقف عليه، ويعتني بضبط مختلف الروايات وتمييزها فيجعل كتابه على رواية، ثم ما كان في غيرها من زيادة ألحقها في الحاشية أو نقص أَعلَم عليه، أو خلاف نبَّه عليه، ويُسمي روايةً مبينًا.