ثلاث سنين منه كان الإسلام مخفيا، وفي عشر سنين كان الإسلام ظاهرًا، فلما هاجروا إلى المدينة، وبنوا المسجد أمروا بالجمعة والجماعة، واشتغل الناس بمكاسبهم، فكانوا لا يشعرون بدخول وقت الصلاة، فاجتمعوا في موضع، وقالوا: ينبغي أن يكون لنا علامة نعرف بها مواقيت الصلاة، وتآمروا في ذلك زمانًا.
فقال بعضهم: ندجن بالنهار، ونوقد بالليل، فقالوا: لانريد هذا، لأن هذا علامة المجوس، فلا نفعلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم ننفخ في البوق.
وقال الآخرون تلك علامة اليهود فلا نريدها.
وقال بعضهم نضرب بالناقوس، فقال الآخرون: تلك علامة النصارى فلا نفعلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فتفرقوا عن ذلك المكان ورجعوا إلى منازلهم، فلما كان من الغد جاء عبد الله بن زيد ب عبد ربه الأنصاري فقال: يا رسول الله إني كنت بين النائم واليقظان، فرأيت ملكًا ينزل من السماء، وبيده ناقوس، وعليه ثياب خضر فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: ما تصنع به، فقلت: ندعوا الناس إلى الصلاة. فقال أفلا أدلك على ما هو خير منه؟ فقلت: نعم، فصعد نشرًا من الأرض، واستقبل القبلة، وقال: الله أكبر، الله أكبر ... إلى آخر الأذان، ثم استأخر غير بعيد وأقام.
وفي رواية: وأقام مثل ذلك.
قال: فبينما نحن كذلك حتى جاء عمر رضي الله عنه مسرعًا، وكا يجر رداءه، وقال يا رسول الله والله بعثك بالحق نبيا لقد رأيت في المنام مثل ما أرى هذا الرجل ثم اجتمع على ذلك بضعة عشر نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يذكر مثل ذلك الرؤيا لنفسه، فلما دخل وقت الظهر، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله: قم وألقه على بلال، فإنه أندى صوتًا منك.