فإذا سأل أي فقيه كان، جاز له أن يعمل بقوله، فلو كان في البلد فقيهان: فقيه أفقه ورع، وفقيه اورع.
فالأفقه الورع أولى في الفتوي من الأروع الفقيه، وفي باب الإمامة للصلاة الأورع الفقيه أولى من الأفقه الورع.
والفرق بينهما أن الإمامة سفارة بينه وبين الله تعالى - إنما يرشح للسفارة من كان اوجه، وأعلى مرتبة عند الله تعالى ودرجة الأورع والأتقي أعظم عند الله تعالى لقوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والأفقه الورع أولى في الفتوى من الأورع الفقيه، وذلك لأنه يحتاج إلى استنبط المعاني، فلو كان في البلد فقهاء، وواحد منهم مجتهد، فيتعين على المجتهد الفتوي، ولا يجوز للغير أن يفتن، لأن المجتهد يكون كالنص، ولا يتعين على المجتهد أن يجيب على مذهب، بل يفتي بما بلوح عنده من الدليل، ولو كان في البلد فقيهان يستويان في الفقه وفي الورع، هل يجب عليه أن يجتهد نوع اجتهاد حتى يطلع على أفههما وأورعهما أم لا؟
فيه وجهان:
أحدهما: لا يجب عليه أن يجتهد، وله أن يسأل أيهما شاء.
والثاني: يجتهد؛ لأن ذلك يصير معلومًا بالتسامع فيما بين الناس أيهما أفقه، وأيهما أورع.