قلنا: فرق بينهما، لأن هناك إذا صلى صللاة أو اثنتين، فلا يعتقد يقينًا أنه قد صلى الصلاة المنسية، وأنها سقطت عنه قطعًا، لأنه ربما كانت من الصلوات التي لم يقضها بعد، والأصل شغل ذمته بالصلاة، فقلنا بأنه لا يحكم بفراغ ذمته إلا بقضاء الكل، وأما ها هنا ما من صلاة يصليها إلى جهة إلا ويعتقد أنه أدى ما كلف به، وسقط عنه فرض الوقت، فلهذا لا يلزمه قضاء الكل.
فإن قيل: إذا دخل عليه وقت الصلاة وجب أن يقولوا: إنه لا يصلي بالاجتهاد إلى جهة، بل يصلي تلك الصلاة إلى أربع جهات حتى يتيقن سقوط الفرض عنه قطعًا، كما لو نسي صلاة من صلوات الخمس.
قلنا: فرق بينهما، وذلك لأن هناك لا يلوح له بالاجتهاد والتحري دلالة تدل على أن المنسية ماذا منه؟ فهذا قلنا: إنه لا يشتغل هناك بالاجتهاد، بل يصلي الكل، وها هنا للقبلة أمارات ودلالات، فربما تلوح له دلالة تدله على جهة القبلة، فقلنا بأنه يصلي بالاجتهاد والتحري، فأما إذا دخل في الصلاة بالاجتهاد، وصلي ركعة، ثم تغيرا اجتهاده في الركعة الثانية إلى جهة أخرى، ينظر فيه: فإن كان اجتهاده الثاني أقوى من اجتهاده الأول، فإنه ينحرف إلى الجهة الثانية، ولا تبطل صلاته، وهكذا لو تغيرا اجتهاده في الركعة الثالثة والرابعة إلى جهة أقوى من الجهة التي تقدمت، فإنه يتحول إليها، حتى لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بأربعة اجتهادات، فهل يصح ذلك أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يصح كما لو صلى أربع صلوات بهذه الصفة.
والثاني: لا يصح، والفرق بينهما أن الصلاة الواحدة عبادة واحدة لا تتجزز في البطلان والصحة، بل آخرها متصل بأولها، ويتداعي فساد آخرها إلى فساد أولها، فجاز أن يقال بأنها تبطل بتغيير الاجتهاد فيها بخلاف الصلوات، لأن كل واحدة منهن لا تكو مرتبطة بالأخرى، وفساد البعض لا يوجب فساد الكل في ذلك، فأما إذا كان اجتهاده الثاني مثل اجتهاده الأول، فإنه لا ينحرف إلى تلك