للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضَها، والراوي مثل أبي سعيد يروي اللَّفظ بالمعنى، فقد دلَّ على أنَّ معنى أحد اللَّفظين عندهم هو معنى الآخر، وهم أعلمُ بِمعاني ما سمعوه من كلام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وأيضاً فإنْ كان لفظ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (رأى) فقد حصل المقصود، وإن كان لفظه (صحب) في طبقة أو طبقات، فإن لَم يُرِد به الرؤية لَم يكن قد بيَّن مرادَه، فإنَّ الصُّحبةَ اسمُ جنسٍ ليس لها حدٌّ في الشرع ولا في اللغة، والعُرف فيها مختلف.

والنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَم يُقيِّد الصُّحبةَ بقيدٍ، ولا قدَّرها بقدر، بل علَّق الحكمَ بمطلقها، ولا مُطلقَ لها إلاَّ الرؤية.

وأيضاً فإنَّه يُقال: صَحِبَه ساعةً وصَحِبَه سنةً وشهراً، فتقع على القليل والكثير، فإذا أُطلقت من غير قيد لَم يَجُز تقييدُها بغير دليل، بل تُحملُ على المعنى المشترك بين سائر موارد الاستعمال.

ولا ريب أنَّ مجرَّدَ رؤية الإنسان لغيره لا توجب أن يُقال: قد صَحِبَه، ولكن إذا رآه على وجه الاتِّباع له والاقتداء به دون غيره والاختصاص به، ولهذا لَم يُعتدَّ برؤية مَن رأى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الكفَّار والمنافقين؛ فإنَّهم لَم يروه رؤيةَ مَن قَصْدُه أن يؤمن به، ويكون من أتباعه وأعوانه المصدِّقين له فيما أخبر، المطيعين له فيما أمر، الموالين له، المُعادين لِمَن عاداه، الذي هو أحبُّ إليهم من أنفسِهم وأموالِهم وكلِّ شيء)) .

السابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى المقبرة، فقال: ((السَّلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، وددتُ أنَّا قد رأينا إخواننا، قالوا: أوَلَسْنا إخوانَك يا رسول الله؟! قال:

<<  <   >  >>