إلا أن النهي إذا ورد وجب حمله على التحريم إلا أن يقترن به قرينة تصرفه عن ذلك إلى الكراهية، والنهي إذا ورد دل على فساد المنهي عنه، وبه قال جمهور الفقهاء من أصحابنا وغيرهم.
وقال القاضي أَبُو بكر البَاقِلانِي: لا يدل على ذلك.
والدليل على ما نقوله اتفاق الأمة من الصحابة فَمَن بعدهم على الاستدلال بمجرد النهي في القرآن والسنة على فساد العقد المنهي عنه كاستدلالهم على فساد عقد الربا بقوله تعالى:{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}[البقرة: الآية ٢٧٨].
وينهى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَنْ بَيعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَب مُتفَاضِلًا" واحتجاج ابْنُ عُمَرَ في تحريم نكاح الْمُشْرِكَاتِ وفساده بقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}[البقرة: الآية ٢٢١]، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.
أَبْوَابُ الْعُمُومِ وَأَقْسَامُهُ
قد ذكرنا أن المحتمل الظاهر في أحد محتملاته منه على ضربين: أوامر، وعموم.
وقد تكلمنا في الأوامر، والكلام ههنا في العموم، وله ألفاظ خمسة:
منها لفظ الجمع كالمسلمين والمؤمنين والأبرار والفجار، وألفاظ الجنس كالحيوان والإبل، وألفاظ النفي، كقوله: ما آذاني من أحد، والألفاظ الْمُبهَمَة كـ"مَنْ" فيما يعقل، "وما" فيما لا يعقل، و"أى" فيهما، و"متى" في الزمان، و"أين" في المكان، والاسم المفرد إذا دخل عليه الألف والسلام نحو قولنا: الرجل والإنسان والمشرك.
فهذا إِذا ورد اقتضى أمرين:
أحدهما: أن يراد به واحد بعينه، وذلك لا يكون إِلا بقرينة عهدٍ.
والثاني: أن يراد به جميع الجنس، فإذا ورد عاريًا من القرائن حمل على جميع الجنس، والدليل على ذلك اتفاقنا على أنه معرفة ولا بد أن يكون معرفة بالعهد، أو باستيعاب الجنس، فهذا لم يكن عهد حُمِلَ على استيعاب الجنس، وإلا كان نَكِرةً.