صفة المجتهد أن يكون عارفًا بموضع الأدلّة ومواضعهما من جهة العقل، ويكون عارفًا بطريق الإيجاب، وطريق الوضع في اللغة والشرع، ويكون عالمًا بأصول الديانات، وأصول الفقه، عالمًا بأحكام الخطاب من العموم، والأوامر والنواهي، والمفسر والمجمل، والنّص والنسخ، وحقيقة الإجماع، عالمًا بأحكام الكتاب، عالمًا بالسُنَّة والأخبار والآثار وطرقها، والتمييز بين صحيحها وسقيمها، عالمًا بأقوال الفقهاء من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم وبما أَجْمَعُوا عليه، واختلفوا فيه، عالمًا بالنحو والعربية بما يفهم به معاني كلام العرب، ويكون مع ذلك مأمونًا في دينه، موثوقًا به، فإِذا كملت هذه الخصال، وكان من أهل الاجتهاد جاز له أن يُفْتي، وجاز للعامي تقليده فيما يفتيه فيه.
بَابُ أَحْكَامِ التَّرْجِيحِ
الترجيح في أخبار الآحاد يراد لقوّة غلبة الظن بأحد الخبرين عند تعارضهما.
والدليل على صحّة ذلك إِجماع السلف على تقديم بعض أخبار الرواة على أخبار سائرهم، ممن يظن به الضبط، والحفظ والاهتمام بالحادثة.
فَصْلٌ
إِذا ثبت ذلك، فالترجيح يقع في الأخبار التي تتعارض، ولا يمكن الجمع بينها، ولا يعرف المتأخّر منها، فيحمل على أنه ناسخ في موضعين: أحدهما: الإسناده والثاني: المتون.
فأما الترجيح بالإسناد، فعلى أوجه: الأول: أن يكون أحد الخبرين مرويًّا في قضية مشهورة متداولة عند أهل النقل، ويكون المعارض له عاريًا عن ذلك، فيقدم الخبر المروي في قضية مشهورة، لأن النفس إِلى ثبوته أسْكن والظن في صحّته أغلب.
والثاني: أن يكون راوي أحد الخبرين أحفظ وأضبط، وراوي الذي يعارضه دون ذلك، وإن كان جميعًا يحتج بحديثهما فيقدم خبر أحفظهما وأتقنهما، لأن النَّفْس أسكن إلى روايته، وأوثق بحفظه.
والثالث: أن يكون رواة أحد الخَبرين أكثر من رواة الخبر الآخر، فيقدّم الخبر الكثير الرواة، لأن السهو والغلط أبعد عن الجماعة، وأقرب إلى الواحد.