وأما بقاء الحكم ونسخ التلاوة فما تظاهرت به الأخبار من نسخ تلاوة آية الرَّجْمِ، ونسخ الخمس رَضْعَات، وغير ذلك مما بقي حكمه بعد نسخ تلاوته.
فَصْلٌ
يصح نسخ العبادة قبل وقت الفعل وعلى ذلك أكثر الفقهاء.
وقال أبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِي وبعض أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ: لا يصح نسخ العبادة قبل وقت الفعل.
والدليل على ذلك ما أمر به إِبرَاهيمُ -عليه السلام- من ذَبْح ولده، ثم نسخ عنه قبل فعله.
وأيضًا فقد ذكرنا أن النَّسخ إنما هو إزالة الحكم الثابت بالشرع المتقدم، وإذا خرج وقت العبادة، فلا يخلو أن يكون فعلها أو لم يفعلها، فإن كان فعلها، فلا يحتاج إلى النسخ، لأن المأمور به قد امتثله، وإن لم يكن فعلها، فلا يصح النسخ أَيضًا؛ لأنه لا يقال له: لا تفعل أمس كذا، لأن الفعل فيما مضى غير داخل تحت التكليف فعله ولا تركه فلا يصح النسخ إلا قبل انقضاء وقت العبادة.
وأما إِسْقَاط مثل العبادة في المستقبل، فليس بنسخ لنفس المأمور به، وإِنما هو إِسقاط لمثله.
فَصْلٌ
لا خلاف بين أَهْل العلم في جواز نسخ القرآن بالقرآن (١)، والخبر المتواتر بمثله، وخبر الواحد بمثله.
وذهب أكثر الفقهاء إِلى أنه يجوز نسخ القرآن بالخبر المتواتر، ومنع من ذلك الشَّافِعِيُّ والدليل على ذلك أن القرآن والخبر المتواتر كلاهما شرع مقطوع بصحته، واِذا جاز أن ينسخ القرآن بالقرآن جاز أن ينسخ بالخبر المتواتر، ومما يبين ذلك أن قوله عَزَّ وَجَلَّ:{الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[البقرة: الآية ١٨٠] منسوخ بقوله عليه السلام: "إِن اللَّه قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَق حَقَّه فَلا وَصِيّةَ لِوَارِثٍ".
فَصْلٌ
ويجوز عند جمهور الفقهاء نسخ السُّنَّة بالقرآن، ومنع من ذلك الشافعي.
(١) انظر الأحكام للآمدي ٣/ ١٣٣، نهاية السول ٢/ ٥٧٩، المستصفى ١/ ١٢٤.