فإنَّ كثيرًا منه لم يُكسِبْه السجع إلا سَمَاجةً وثِقَلاً. والتزامُ السجع -كما يقول ابن خلدون-: "ناشئٌ من القصور عن إعطاء الكلام حقَّه في مطابقة مقتضى الحال".
عندما سقطت بغداد في أيدي التَّتَار، وصارت الدولة إلى أيدي أمراءَ لا يعنيهم شأنُ العربية، انحطَّت اللغة العربية إلى دَرْكٍ سافلٍ، وظَلَّت الخطابة بعد هذا مقصورةً على أيام الجُمَعِ والأعياد ومواسم الحج، وموقوفةً على مواعظ محدودة، بعد أن كانت تخوضُ الإرشادَ إلى وسائل العِزَّة ووجوه الإصلاح.
وما برحت الخطابةُ في موقفها، حتى أقبلَ عهدُ الخديوي إسماعيل باشا، واهتزَّت مِصْرُ في حركة اجتماعية أو سياسية، فنشطت الخطابة مِنْ عِقَالِها، بل بُعِثَتْ من مرقدِها، وتخلَّصَتْ من قيود السجع، فآتَتْ من الآثار ما تقرؤون اليوم وما تسمعون.