الإسلام، والتحريض على الوقوف في وجه خصومه بعزم وطيدٍ وإقدام حكيم، ويضاف إلى هذا أنَّ من أسباب إجادتِها وإبداعها ما بَهَرهم به القرآن ومنطق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بلاغة القول وروعة الأسلوب.
وقد تنفَّس صدرُ الإسلام برجالٍ سبقوا في حَلْبَة الخطابة، حتى أصبح الخطباء لذلك العهد يُقَدَّمون على الشعراء ويُرفَعون فوقهم درجَات، خصوصًا عندما انحطَّ الشِّعْرُ بالإسراف في المديح، والإقذاع في الهجاء، والإغراق في التَّشْبِيب، وفي المديح المُفْرِط مَلَقٌ، وفي الهجاء المُقْذِعِ دَناءَةٌ، وأقلُّ ما يدلُّ عليه الإسراف في التَّشبيب أنَّ صاحبَه لا يُرجَى لمقامات الجِدِّ، ولا يصلح لأن تُنَاط به جَلائلُ الأعمال.
واستمرت الخطابة لأول عهد الدولةِ العباسية بمنزلتها التي بلغَتْها في صدر الإسلام، ومن بلغاء الخطباء في هذا العهد: أبو جعفر المنصور، والمأمون بن الرشيد، وجعفر بن يحيى، وشبيب بن شيبة.
ولما اختلط العرب بالعجم، وأصبح الموالي يتقلَّدون إمارة الجيوش وولاية الأعمال، ساءت حالُ الخطابة العربية، فاغبرَّ وَجْهُهَا، وبَلِي ثوبُها، وتضاءل على المنابر صوتُها. وفي هذا العهد قامت سوق السَّجْع، واندفع يستولي على النثر كتابةً وخطابة. وإذا كان في بعض الخطب المنسوجةِ على منوال السَّجْع فَصَاحَةٌ ورَوْنَقٌ، كخطب ابن نُبَاتة،