للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبتدعين، وفهم الجاهلين، وتحريف المبطلين , وإلا – ولله الحمد – من تكون عنده الفطرة السليمة لا يشكل عليه , فمن حيث العقل ومن حيث اللغة لا تنافي بين العلو والمعية , ولكن إنما أُتِيَ المعطلة من تأصيلهم الباطل , لما أَصَّلُوا نفي العلو استدلوا بنصوص المعية لتصحيح مذهبهم , لأن المذهب الذي توصلوا إليه بشبهاتهم هو نفي العلو، وأنه تعالى في كل مكان , فراحوا يصححون ما قالوه محتجين بنصوص المعية , فنصوص المعية ليست هي الدليل عندهم , لكن أهل الزيغ وأهل الأهواء يتبعون المتشابه , ويأخذون من الأدلة ما يوافق أهواءهم وأصولهم ومذاهبهم , وإلا فلماذا تتأولون نصوص العلو وتتعلقون بنصوص المعية زاعمين أنها تدل على الحلول وأنه تعالى في كل مكان؟ لماذا لم يكن التأويل لنصوص المعية؟ لماذا لم تقولوا إن نصوص العلو على ظاهرها وأنه تعالى في العلو ونصوص المعية لا تدل على الحلول؟

وهذا الإشكال والاشتباه ما جاء للمسلمين إلا لما أحدث المبتدعون مذهب التعطيل , نفي صفات الرب ونفي علو الرب – تعالى –، وقالوا بالحلول , فهنالك جاء الاضطراب والتحريف لكلام الله وكلام رسوله – عليه الصلاة والسلام – , وإلا فكلٌ من العلو والمعية – كما قال أهل العلم – حق على حقيقته , فالله فوق عرشه عال على خلقه , حق , وهو مع عباده , حق , كل منهما حق على حقيقته , لا تناقض , وكما ذكر الشيخ – رحمه الله – في هذه الوجوه أنه لا تناقض بين العلو والمعية في حق المخلوقين , فالمخلوق يكون عاليًا على غيره , ويقال إنه مع غيره , كما ضُرِبَ المثل بالقمر , فالقمر في مداره وفي مساره ومع ذلك يقول القائل: سرنا والقمر معنا , بل مثَّل العلماء بقول الرجل لولده وهو يَطَّلِعُ عليه من علو ويقول: لا تخف أنا معك , وهو بعيد عنه , ويقول الأمير للجيش: سيروا وأنا معكم , أسير معكم , بإحاطته بمتابعة وتدبير أمورهم , فالحق – ولله الحمد – مشرق وسهل وواضح ما فيه هذا التعقيد.

<<  <   >  >>