للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والوسط: اسم للمكان الواقع بين أمكنة تحيط به، أو للشيء الواقع بين أشياء محيطة به، ليس هو إلى بعضها أقرب منه إلى بعض عرفًا، ولما كان الوصول إليه لا يقع إلاّ بعد اختراق ما يُحيط به، أخذ فيه معنى الصّيانة والعزّة؛ طبعًا: كوسط الوادي لا تصل إليه الرّعاة والدّواب إلا بعد أكل ما في الجوانب، فيبقى كثير العشب والكلأ، ووضعًا: كوسط المملكة يجعل محلّ قاعدتها، ووسط المدينة يجعل محل قصبتها؛ لأن المكان الوسط لا يصل إليه العدوّ بسهولة، وكواسطة العقد لأنفس لؤلؤة فيه.

فمن أجل ذلك صار معنى النّفاسة والعزّة والخيار من لوازم معنى الوسط عرفًا، فأطلقوه على الخيار النفيس كناية، قال زهير:

هم وسط يرضى الأنامُ بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي بمعضل

ويقال: أوسط القبيلة، لصميمها.

وأمّا إطلاق الوسط على الصّفة الواقعة عدلا بين خلقين ذميمين فيهما إفراط وتفريط، كالشّجاعة بين الجبن والتهوّر، والكرم بين الشُّحِّ والسرّف، والعدالة بين الرّحمة والقساوة، فذلك روى حديث: «خير الأمور أوسطها» وسنده ضعيف (١) .

وقد شاع هذان الإطلاقان حتى صارا حقيقتين عُرفيَّتين (٢) .


(١) - قال العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٣٩١) : حديث: «خير الأمور أوسطها» وفي لفظ: «أوساطها» . قال ابن الغرس: ضعيف. وقال في المقاصد: رواه ابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد، لكن بسند فيه مجهول عن علي مرفوعًا. وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعًا: «خير الأعمال أوسطها» . وللعسكري عن الأوزاعي أنه قال: ما من أمر أمر الله به إلا عارض الشيطان فيه بخصلتين لا يبالي أيهما أصاب: الغلو أو التقصير. ولأبي يعلى بسند جيد عن وهب بن منبه، قال: إن لكل شيء طرفين ووسطًا، فإذا أمسك بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان، فعليكم بالأوساط من الأشياء.
(٢) - انظر: التحرير والتنوير (٢ / ١٧) .

<<  <   >  >>