للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفصّل بعض العلماء في المسألة، ومن هؤلاء الحاكم، حيث قال: والذي يجب علينا بيان بغضها، وأنه لا تجوز عبادتها، وأنها لا تضرّ ولا تنفع، وأنّها لا تستحقّ العبادة، وهذا ليس بسبّ، ولهذا قال أمير المؤمنين يوم صفين: لا تسبُّوهم، ولكن اذكروا قبيح أفعالهم (١) .

وقال الرازي: وفي الآية تأديب لمن يدعو إلى الدّين، لئلا يتشاغل بما لا فائدة له في المطلوب، لأن وصف الجمادات بأنها لا تضرّ ولا تنفع، يكفي في القدح في إلاهيتها، فلا حاجة مع ذلك إلى شتمها (٢) .

وأختم هذا الكلام النفيس حول الآية، بما قاله الزمخشري: قال: فإن قلتَ: سبّ الآلهة حق وطاعة، فكيف صحّ النّهي عنه؟ وإنما يصحّ النّهي عن المعاصي؟

قلت: رُبَّ طاعة علم أنها تكون مفسدة، فتخرج عن أن تكون طاعة، فيجب النهي عنها لأنها معصية، لا لأنها طاعة كالنهي عن المنكر، وهو من أجلّ الطّاعات، فإذا علم أنّه يؤدي إلى زيادة الشرّ انقلب معصية، ووجب النّهي عن ذلك، كما يجب النّهي عن المنكر (٣) .

ومما سبق يتّضح أن القرآن الكريم قد وضع قاعدة في رسم منهج الوسطيَّة، وأنّ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وكذلك فمن الحق النظر إلى مآلات الأمور دون الوقوف عند ظواهرها فقط.


(١) - انظر: تفسير القاسمي (٦ / ٢٤٦٣) .
(٢) - انظر: تفسير الرازي، وتفسير القاسمي (٦ / ٢٤٦٣) .
(٣) - انظر: الكشاف، وتفسير القاسمي (٦ / ٢٤٦٣) .

<<  <   >  >>