للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى هذا أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم قد خاطب المشركين قبل ذلك، ودعاهم إلى الله باللين، واستخدم معهم جميع وسائل الرفق، حتى لم يعد يُجدي معهم إلا السّيف والغلظة.

وكذلك المنافقون، لم تجد معهم وسائل المهادنة والوعظ، والرفق واللين، فكان لا بدّ من الإغلاظ لهم بالقول، كالإغلاظ للكفّار بالسّيف.

وخلاصة القول: إن اللين والإغلاظ، أمران مشروعان، لا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر في كل الأحوال، وإنما الحق هو استخدام كل واحد منهما في موضعه. كما قال الشاعر:

مُضرُّ كوضع السيف في موضع الندى ... ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

(ج) وأخيرًا نأتي لكلمة الفصل في هذه القضية: إذا كانت الوسطيَّة في هذا الباب تختلف باختلاف الحال والمحلّ، والزّمان والمكان، فما هو الضّابط لذلك؟

والجواب حسمه القرآن الكريم في آية واحدة، حيث قال - سبحانه وتعالى -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: من الآية ١٢٥) .

فالحكمة هي الضّابط، والفيصل في ذلك، فحيث كانت الحكمة كانت الوسطيَّة، وحيث فقدت فإن هناك انحرافًا إلى ذات اليمين أو ذات الشمال.

<<  <   >  >>