وحتى نتبين دقة استعمال حروف العطف، وهي أهم أدوات الربط يمكننا أن نتسعرض بعض مواقعها في القرآن الكريم مجلى البلاغة وذروتها:
قال تعالى حكاية عن إبراهيم - عليه السلام- يخاطب قومه قال:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}[الشعراء:٧٥-٨١] .
فيما يتعلق بالواو نجدها في الآيات الكريمة السابقة جاءت عاطفة للسقى علي الطعام لتنفيذ مطلق الجمع، حيث يمكن تقديم الطعام على الشراب أو الشراب على الطعام دون أن يؤثر ذلك في المعنى، أو في دائرته الدلالية، ولكن الفاء جاءت عاطفة للشفاء على المرض لأن الشفاء يعقب المرض مباشرة فأفادت هنا الترتيب والتعقيب وإشارة إلى فضل الله سبحانه وتعالى على المريض.
أما ثم فقد استخدمت لعطف الإحياء على الإماتة لأن البعث تالٍ للموت مع مرور وقت بينهما من هنا كانت "ثم" دالة على الترتيب والتراخي، ولو عطفت جميعها بالواو لما كان في ذلك ضير، ولكن هذا النظم الدقيق أليق ببلاغة القرآن الكريم كما يقول ضياء الدين بن الأثير في "المثل السائر".