ويتضح في هذه الآية الكريمة الترتيب الدقيق لمراحل خلق الإنسان من خلال النظم المعجز بواسطة الفاء وثم، فجاء استخدام كل حرف منهما دالًا على المعنى المقصود بدقة، فالتراخي بين خلق الإنسان من الطين وتكوينه على شكل نطفة اقتضى استخدام "ثم" كذلك فإن تحويل العلقة إلى مضغة، فعظام إلى آخر ما جاء في الآية متعلقًا بتكوين الجنين اقتضى استخدام الفاء التي تفيد التعقيب، والدليل على هذه الأحكام واقتضاء بعضه لبعض في حتمية مقدرة من رب العالمين توقع "معاذ بن جبل" لما جاء من تذييل في آخر الآيات حين قال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} حيث ضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن سمع هذه العبارة من معاذ، ولما سأله معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: بها ختمت.
من ذلك أيضًا قول الله سبحانه وتعالى في قصة مريم وعيسى - عليهما السلام {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً}[مريم:٢٢-٢٣] .
فقد استدل المفسروهن بموقع الفاء بين الحمل والانتباذ والمخاض على أن حملها بعيسى علي السلام ووضعها إياه كانا متقاربين.
وهناك بعض المواقع التي يلتبس فيها مكان الفاء والواو، لأن ما اصطلح على تسميته بفعل المطاوعة لا يعطف عليه إلا بالفاء، دون الواو تقول: كسرته فانكسر، حيث يكون الفعل الأول متعديًّا والثاني لازمًا- يحدث كاستجابة للفعل الأول، ومن أمثلة ذلك في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى من سورة الكهف:{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}[الكهف:٢٨] .