أ- لا بد من البحث عن هيكل بنائي مناسب يتحقق فيه الترابط العضوي ويفضي إلى هدف محدد من كتابة الترجمة؛ لذا من الضروري التركيز على الشخصية وعدم الانسياق وراء أحداث وأشخاص آخرين وعرض أجزاء من حياتهم إلا بما يخدم هذا الغرض الأساسي من بناء الترجمة.
وتحقيق الهيكل المعماري العضوي الذي هو جوهر الأعمال الفنية بوجه عام لا يتم إلا بعد جمع الحقائق والوثائق والقرائن وتحقيقها وعدم الاستجابة لمغريات الخيال.
ب- إن قوام الفن هو الاختيار والنفي، وإذا كان هذا المبدأ هو القاعدة الأساسية في مختلف الفنون فهو في السيرة ألزم؛ لأنه ينبني على أسس مختلفة، فالنفي أو الإثبات يخضع لمحك الصدق والحقيقة التاريخة، بينما في الفنون الأخرى يخضع لمبدأ آخر يتعلق برؤيا الكاتب، وأصول الفن، وعمل المخيلة، ويعمل الوجدان والنزوع الذاتي كمحركين أساسييين في هذه العملية، وليس من شك في أن الترجمة تقع في منطقة وسط بين جاذبية التحقيق العلمي الذي هو قوام عمل المؤرخ، والاصطفاء الفني وهو أصل العمل الأدبي، ولهذا تتحقق القيمة الفنية للترجمة الذاتية التي هي قوام عمل الفنان، فإذا استطاع أن يحقق ذاته من خلال حساسيته اليقظة لمعنى الأحداث ودلالتها وقدرته على استنطاقها واستخلاص رؤى جديدة في تفسيرها، وفي بناء نسق فكري من خلالها يفضي إلى رؤية جديدة يكون قد اقترب من أصول الفن، فقد يبني الكاتب من الحوادث الصغيرة والشواهد الهامشية رؤية جديدة ذات بعد نفسي أو فكري يتخطى التفاصيل الخارجية وظواهرها الخادعة، ويسلط الضوء على البنية النفسية للشخصية، لذا لا بد لكاتب الترجمة من تتبع التفاصل ذات الدلالالة الموحية.