للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعبير حديث وأهم من الإلهام" قد حل محله ... فهناك من يرى أن الإلهام صدمة كالانفعال، إذ يصبح الملهم كمن يجذب انتباهه فجأة فيختل توازنه حيث ينقطع سير العمليات الذهنية وينهمر فيض فجائي من الأفكار والصور، من هنا كان الإلهام مصطلحًا يطلق على لحظات الإبداع الفجائية، وهي لحظات تكون مصحوبة بأزمات انفعالية بعيدة عن العقل والشعور.

والحدس بشكل عام يشير إلى معنى المعرفة الفجائية، ومهما يكن من أمر فإن التفسير الإلهامي لا يضيء أمامنا الطريق إلى الإبداع خصوصًا، وأنه يعزو هذه العملية برمتها إلى عوامل لا مرئية لا يمكن التحكم فيها أو الوصول إلى منابعها.

وحتى في أحسن الأحوال حينما يفسر الحدس بأنه نوع من الاستدلال اللاشعوري الذي يخفي وراءه معارف وخبرات غير مرئية، فإن سبل التحكم فيه أمر خارج عن السيطرة؛ غير أن الأمر يصبح أقرب إلى الضبط والسيطرة حين نسلم مع أولئك الذين يرون أن الإبداع الشعوري ليس إلهامًا أو حدسًا على إطلاقه، ولكن الحدس فيه لحظة معينة من الإبداع من ضمن لحظات متشابكة ومعقدة، إذ تظل الأهمية معلقة على الجانب الواعي الذي يشير إليه بعض المبدعين فيقول: قد تدهش إذا قلت لك: "إني صححت وعدلت وبدلت في كل مخطوطة قمت بتبييضها ونسخها بنفسي أكثر من أربع مرات....أجل ... لكل مخطوطة عندي كبرت أو صغرت، أربع نسخ ... مختلفة بخط يدي"١.

إن ثمة جهدًا يبذل أثناء كتابة القصيدة، يؤكد ذلك ما يخلفه الشعراء من مسودات لأعمالهم الإبداعية فهي تكشف عن معاناة مضنية أثناء الكتابة، أما ما يروى عن الشاعر الإنجليزي كولريدج من قصص تتحدث عن قصائد متكاملة ولدت أثناء النوم على شكل أحلام، فينقضه ما هو معروف عن طبيعة الأحلام التي تأتي في نسق غير مترابط، وقد شكك الباحثون في صحة هذه المرويات، فإن الشاعر قد خدع عن الجهد الذي بذله في تنسيق هذا الحلم المضطرب الذي


١ توفيق الحكيم: زهرة العمر، القاهرة ص ٢٤٦.

<<  <   >  >>