والبعد المكاني بعين الاعتبار، فمن المعروف لدى كثير من الأمم أن ما كان يستخدم قبل قرن أو أكثر قد تتغير دلالته في الوقت الراهن فلغة شكسبير في الإنجليزية تختلف عن اللغة الإنجليزية المعاصرة من بعض الوجوه، وكذلك لغة ملحمة "الشاهنامة" في الأدب الفارسي، وقس على ذلك لغة العصر الجاهلي واختلافها عن اللغة العربي المعاصرة من حيث تغير بعض الدلالات وتطورها واختفاء بعض الكلمات وظهور غيرها كذلك فإن بعض الألفاظ تشيع في بيئة معينة، وتكون مستساغة ومقبولة في هذه البيئة فيما لا تكون كذلك في بيئة أخرى.
ثالثًا: تمييز المبتذل المستهلك من الأصيل المؤثل عند اختيار الألفاظ فالشائع المكرور الذي يتردد على الألسنة كثيرًا لا يثير المتلقي ولا يؤثر فيه، والمهجور المستكره عسير على الفهم، وغير المفهوم غير قادر على الإيحاء أو الإدهاش والتأثير فالبعد عنه أولى.
رابعًا: الوعي بما بين الصفة والاسم والظرف من فروق دلالية١:
فيا يتعلق بالصفة فإنها أقوى الدلالات على ضبط الأداء-كما يقول العقاد - فالصفات تخصص الموصوفات وتحددها، وتبرز الفروق بينها، أما الأسماء فقد تكون اصطلاحية وليست معنوية؛ بمعنى أن القوم تواضعوا عليها فكلمة كبريت يرجع أصلها إلى قبرص التي كانت أشهر البلاد المنتجة لها، والصفات لابد من المطابقة بينها وبين موصوفاتها، ولذلك فهي تابعة للموصوف في اللغة العربية من حيث الإفراد والجمع والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، وفي مواقف الإعراب.
وتظهر دقة اللغة في التسوية بين التذكير والتأنيث فهناك سرُّ خفي وراء هذه القواعد يبعدها عن خلط المصادفة والارتجال.
١ راجع: عباس محمود العقاد ١ أشتات مجتمعات في اللغة والأدب، دار المعارف بمصر د. ت ٢ اللغة الشاعرة - مزايا الفنا والتعير في اللغة العربية دار المعارف بمصر د. ت.