للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول: أمَّا إِذَا كَانَ الْكَاتِب مسيطرًا على خلجاته وخيالاته وهواجسه لا تتنافر ألفاظه، فوصف الكلام بالتماسك والإحكام، والملائمة والسلاسة والتحدر* دلالة على أن الكاتب محتشد مسيطر فلا تتواثب فى خاطره أخلاط* المعاني١، وقد اشترط البلاغيون والنقاد أن تكون المفردات متناسبة ملائمة، سواء عطفت على بعضها البعض أم لم تعطف، فلا يصح أن يقول فلان جسيم وبليغ، إذ لا ملائمة بين الجسامة ضخامة الجسم وبين البلاغة سواء عطف بين الصفتين أم لم يعطف، غير أن ما ورد في بعض أنساق الكلام البليغ مما يوهم التنافر أو التشتت بين الألفاظ إنما هو لغرض يضفي على الأسلوب ظلالًا لا يدرك أسرارها إلا من علا كعبه في فن القول. من أمثلة ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:١] العطف هنا للدلالة على مكانة الأرحام عند الله سبحانه وتعالى. من هنا جاء عطفها على الضمير العائد على اسم الجلالة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:١] فليس النهي هنا عن أن يتقدموا بين يدي الرسول فحسب وإنما جاء العطف على اسم الجلالة للإيحاء بجسامة الموقف، الأمر الذي يوحي بأن من يتقدم بين يدي الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هو تقدم بين يدي الله، من هنا كان العطف بالواو ذا إيحاءات تتجاوز مجرد اشتراك المتعاطفين في الحكم الإعرابي، إذ تتبادل الكلمات والظلال ويقوم حوار بين دلالاتها ومضامينها.

ومن الأمور التي أثيرت عند معالجة قضية الربط بين الكلمات النهي عن دخول الواو بين الصفة والموصوف لاستحالة عطف الشيء على نفسه، والصفة يمكن أن تحل محل الموصوف، لذا لا يجوز أن نقول شاهدت سعيدًا.


* التحدر: الأنساب.
* أخلاط المعاني: المعاني غير المتناسقة أو المتناسقة
١ راجع: د/ محمد أبو موسى، دلالات التراكيب، مكتبة وهبة، سنة ١٩٧٩م ص ٢٩١، وما بعدها، وقد استفدت من هذا الكتاب فائدة جلية في باب الربط بين أجزاء الكلام لذا لزم التنويه.

<<  <   >  >>