للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الأجزاع أسفل من نميل ... كما رجعت بالقلم الكتابا

كتاب محبر هاجٍ بصير ... ينمقه وحاذر أن يعابا

وكان من جملة ما يتصف به هذا الخط المتقن استواء سطوره وتناسق كلماته وحروفه، ومن هنا جاء التشبيه به في الاستقامة والاستواء، فقد ورد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوي الصفوف حتى يدعها مثل القدح أو الرقيم١؛ والرقيم هو الكتاب المرقوم؛ أي كان يفعل في تسوية الصفوف ما يفعل السهام في تقويم قداحه، أو الكاتب في تسوية سطوره.

وهذا الضرب من الكتابة المجودة التي يتأنق فيها الكاتب ويجود هي التي رجحنا في أول هذا الفصل أنها كانت معجمة منقوطة.

وأما الضرب الثاني من الخط فهو الذي يكتبه الكاتب، وهو في عجلة من أمره لا يتأتى ولا يتأنق، وإنما يخط حروفًا وكلمات ليس فيها أثر من جمال ولا من زينة. وهذا الخط يكون في الغالب غفلًا من النقط والإعجام. وقد عثرت على لفظتين كانتا تدلان على هذا الضرب من الخط الغفل غير المتقن، أولاهما التعريض، وقد وردت في بيت للشماخ٢:

كما خط عبرانية بيمينه ... بتيماء حبر ثم عرض أسطرا

وتعريض الخط -كما في المعاجم- تثبيجه وتعميته وترك تبيين حروفه وعدم تقويمه. واللفظة الثانية التي تدل على هذا الضرب من الخط الغفل السريع الذي لا إتقان فيه هي: المشق. وقد وردت في أخبار عن رجال الصدر الأول، فقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال٣: "شر الكتابة


١ الفائق: ٣٢٠-٣٢١.
٢ ديوانه: ٢٦، وديوان زهير "ثعلب": ٥.
٣ الصولي، أدب الكتاب: ٥٦.

<<  <   >  >>