للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقول، وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا

ذلك هو شأن القبائل. أما الأفراد فلا يقلون في هذا عن قبائلهم. فإن هذا الملك أو السيد أو الشريف أو الثري الذي كان يقيد صك حسابه، ويقيد قطوط جوائزه وعطاياه، ويكتب الرسائل في شتى شئونه أيعقل أنه كان يغفل عن أن يولي الشعر الذي يمدح به مثل هذه العناية؟ وقد كانت عناية الممدوح بمدح الشاعر تتمثل في هذه الهبات السخية من الإبل والملابس والحلي والقيان التي كان يهبها الممدوح للشاعر، لأنه بمدحه يذيع اسمه في العرب، ويعلي من قدره بينهم، ويخلد ذكره على مر السنين. فكان الممدوح حريصًا على أشد الحرص على مدح الشاعر، يجهد في إرضائه بما يقدمه إليه من عطايا، ويتكلف لذلك فوق ما في وسعه، حتى إذا أعيته الحيلة ولم يجد وسيلة إلى إرضاء الشاعر بات كثيبًا يخشى مغبة الهجاء؛ وهذا مخارق بن شهاب سيد بني مازن، أتاه محرز بن المكعبر العنبري الشاعر فقال: إن بني يربوع قد أغاروا على إبلي فاسع لي فيها. فقال مخارق: وكيف وأنت جار وردان بن مخرمة؟ فلما ولي عنه محرز محزونًا بكى مخارق حتى بل لحيته، فقالت له ابنته: ما يبكيك؟ فقال: وكيف لا أبكي، واستغاثني شاعر من شعراء العرب ولم أغثه؟ والله لئن هجاني ليفضحني قوله، ولئن كف عني ليقتلني شكره! ثم نهض فصاح في بني مازن فردت عليه إبله١.

ولقي الزبرقان بن بدر الحطيئة فطمع في أن يصفيه مدائحه فسيره إلى زوجته، أو أمه، وكتب إليها أن تكرمه وتحسن إليه. ولكن بغيض بن عامر -وكان ينازع الزبرقان الشرف- ما زال يسعى حتى استمال إليه الحطيئة، فارتحل إليه، فضرب له بغيض وإخواته قبة، وربطوا بكل طنب من أطنابها حلة


١ البيان والتبيين ٤: ٤١-٤٢.

<<  <   >  >>