للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دُونت، كما ذهب إليه الكثيرون.

أما تدوين ما يتصل بالجاهلية من أخبار وأنساب وأشعار، فسنوردها مجتمعة؛ لأنها متداخلة متشابكة في تدوينها منذ بدأ هذا التدوين. وكان العالم الذي يدون الجاهلية، أو يرويها، يذكر الخبر ثم يستشهد عليه بالشعر ويفصل القول في أنساب من يرد ذكرهم في حديثه، أو يذكر الشعر ثم يرود من الأخبار والأنساب ما يفسره ويتصل به.

وأول ما يبدو لنا في هذا الموضوع أن الذين دونوا تلك الموضوعات الإسلامية التي ذكرناها، كانوا أيضًا يعرضون لذكر الجاهلية: ففي كتب المغازي والسير كانوا يعرضون لذكر العرب الجاهليين والأنبياء السابقين ويفصلون القول في نسب الرسول الكريم وأخبار مكة وقريش ومن يتصل بهما من أفراد وقبائل. وكانت هذه الكتب التاريخية في السيرة والمغازي تشتمل على كثير من الشعر الذي قاله الشعراء الجاهليون الخالصون والشعراء الجاهليون المخضرمون. وقد كان كُتَّاب السيرة والمغازي -في الصدر الأول- يحفظون كثيرًا من الشعر الجاهلي ويستخدمونه في الاستشهاد على ما يكتبون أو يتحدثون. قال أبو الزناد عن أبان بن عثمان بن عفان -وقد مر بنا أنه من كتاب السيرة والمغازي- إنه قلما كان في صحبته دون أن يتمثل بأشعار شاعر المدينة اليهودي الربيع بن أبي الحقيق، وذلك قوله١:

سئمت وأمسيت رهن الفرا ... ش من جرم قومي ومن مغرم

ومن سفه الرأي بعد النُّهَى ... وعيب الرشاد ولم يفهم

فلو أن قومي أطاعوا الحليم ... لم يتعدوا ولم يظلم

ولكن قومي أطاعوا الغوا ... ة حتى تعكس أهل الدم٢


١ الأغاني ٢١: ٩٢، ونسبها المرزباني في معجم الشعراء "ص٣٥٢" لكنانة بن أبي الحقيق.
٢ في معجم الشعراء: ٣٥٢: "تلفظ أهل الدم" مكان "تعكس".

<<  <   >  >>