للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأودى السفيه برأي الحليـ ... ـم وانتشر الأمر لم يبرم

وذكروا أن عروة الزبير وهو أيضًا ممن كتب السير والمغازي كان من أروى الناس للشعر١.

وكذلك كان المفسرون يعتمدون على الشعر الجاهلي وكلام العرب في تفسير ألفاظ القرآن الكريم وفهم معانيه: فقد رُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال على المنبر٢: ما تقولون فيها؟ "يقصد في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّف} "، فسكتوا. فقام شيخ من هذيل، فقال: هذه لغتنا، التخوف: التنقص.

فقال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته:

تخوف الرحل منها تامكًا قردًا ... كما تخوف عود النبعة السفن٣

فقال عمر: عليكم بديوانكم لا تضلوا. قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.

ويُروى قريب من هذا عن ابن عباس، فقد ذكر أبو بكر الأنباري٤ قال: أتى أعرابي إلى ابن عباس فقال:

تخوفني مالي أخ لي ظالم ... فلا تخذلني اليوم يا خير من بقي

فقال ابن عباس: تخوفك أي تنقصك؟ قال: نعم. قال: الله أكبر!

{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّف} أي تنقص من خيارهم.

وقد كان ابن عباس حريصًا على الشعر الجاهلي يحث الناس على تعلمه


١ ابن كثير، البداية والنهاية ٩: ١٠١.
٢ تفسير البيضاوي، سورة النحل آية: ٤٦.
٣ التامك: السنام. القرد: الكثير القردان أو السمين. السفن: حجر ينحت به.
٤ القالي، الأمالي ٢: ١١٢.

<<  <   >  >>