للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجاز واليمن قبل الإسلام، كانت الحكمة الكتابية تشق طريقها في أنحاء البلاد دون تفرقة بين شرق وغرب وشمال وجنوب، وتلقى عناية القائمين بالأمر في هذه المناطق جميعًا. وإذا كان الغساسنة وسادة الحجاز واليمن قد انصرفوا عن جانب التراث الشعبي في منطقتهم، فقد عضدوا الدعوات الكتابية، وساندوا حركاتها، وشجعوا حكماء العرب ما وسعهم التشجيع". ثم ينتقل إلى الحديث عن هؤلاء الحكماء من بين عرب الجاهلية، وبعد أن يذكر بعضهم يقول١: والذين اشتهروا من هؤلاء الحكماء كانوا ينهجون نهجًا يذكرنا بنهج حكماء الشرق الأدنى القديم، فكان الحكيم العربي كالحكيم البابلي والعبري يجمع أحيانًا إلى عمل القاضي والمشرع حرفة الكاهن والطبيب والمنجم، فكان الحكيم هو الرجل المثقف ثقافة جامعة لشتى ألوان المعرفة، وكان بعض حكماء العرب يورثون الحكمة أبناءهم كما صنع حكماء الشرق القديم حين كانوا يلقنون أولادهم تعاليم الحكمة ... ".

ولعل مما يدل على عناية عرب الجاهلية بكتابة الأمثال عناية قديمة أن من أوائل المؤلفات التي حفظت لنا المصادر العربية ذكرها في العصر الإسلامي:

كتب الأمثال؛ فمنذ أيام معاوية ألف صحار بن عياش العبدي "من عبد القيس" كتابًا في الأمثال٢. وكذلك ألف في زمانه عبيد بن شرية كتابًا آخر في الأمثال ذكر ابن النديم٣ أنه رآه في نحو خمسين ورقة. وقد روى علاقة بن كريم الكلابي عن عبيد كتابه هذا في الأمثال٤.

ومما يدل أيضًا على أن هذه الحكم كانت مدونة منذ الجاهلية وبقيت إلى عهد الرسول والصحابة أن عمران بن حصين قال٥: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحياء لا يأتي إلا بخير. فقال بشير بن كعب -وكان قد


١ ص١٣٠.
٢ فهرست ابن النديم: ١٣٢، وانظر أيضًا البيان والتبيين ١: ٩٦.
٣ الفهرست: ١٣٢.
٤ ياقوت: إرشاد ١٢: ١٩٠.
٥ العسكري: التصحيف والتحريف "مطبعة الظاهر بمصر سنة ١٩٠٨" ص٨.

<<  <   >  >>