للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" ... فجئت الفرزدق.... ودخلت على رواته فوجدتهم يعدلون ما انحرف من شعره، فأخذت من شعره ما أردت.. ثم أتيت جريرًا ... وجئت رواته وهم يقومون ما انحرف من شعره وما فيه من السناد، فأخذت ما أردت..".

ومع ذلك فقد كان هؤلاء الرواة -على كتابتهم للشعر في الدواوين وحفظهم إياه في الصحف- ينشدون الشعر إنشادًا ويذيعونه بين الناس والقبائل عن طريق الرواية الشفهية، ومن أجل ذلك قال جرير١:

وعاوٍ عوى من غير شيء، رميته ... بقافيةٍ أنفاذها تقطر الدما

خروجٍ بأفواه الرواة كأنها ... قرى هندواني إذا هز صمما

وقال الفرزدق٢:

تغنى يا جرير لغير شيء ... وقد ذهب القصائد للرواة

فكيف ترد ما بعُمان منها ... وما بجبال مصر مشهرات

وأمر ثالث يكمل سابقيه، وهو متصل بهؤلاء العلماء الرواة الذين عاشوا في نهاية القرن الثاني ومطلع الثالث والذين حفظوا لنا هذا الشعر الجاهلي الذي وصل إلينا. فقد ذكرنا من أمر تدوينهم للشعر وأخذهم بعضه من الدواوين والكتب التي دونت قبلهم ما لا حاجة بنا إلى إعادة القول فيه، ولكنا نريد أن نقول إنهم، مع ذلك، كانوا ينقلون بعض الشعر الجاهلي والأخبار الجاهلية في مجالسهم نقلًا شفهيًّا. والأمثلة على ذلك كثيرة حسبنا أن نشير إلى بعضها. فقد مر بنا أن كتب ابن الأعرابي كانت كثيرة وأن رسولًا لأحد ذوي السلطان جاءه يستدعيه فقال له ابن الأعرابي: عندي قوم من الأعراب


١ النقائض: ٤٣٠.
٢ النقائض: ٦٢.

<<  <   >  >>