للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا قضيت أربي معهم أتيت. قال الغلام: "وما رأيت عنده أحدًا إلا أني رأيت بين يديه كتبًا ينظر فيها، فينظر في هذا مرة وفي هذا مرة". ابن الأعرابي هذا -على أخذه من الكتب- يقول عنه ثعلب١: شاهدت ابن الأعرابي، وكان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان، كل يسأله أو يقرأ عليه, ويجيب من غير كتاب، قال: ولزمته بعض عشرة سنة ما رأيت بيده كتابًا قط، وما أشك في أنه أملى على الناس ما يُحمل على أجمال.

وقد كان ثعلب مثل أستاذه ابن الأعرابي "لا يُرى بيده كتاب، ويتكل على حفظه٢" بينما كان معاصره أبو سعيد السكري "كثير الكتب جدًّا، وكتب بخطه ما لم يكتبه أحد، وكان إذا لقي الرجال يفارقه كتاب٣".

وكان هؤلاء العلماء يأخذون عن الأعراب، وقد يرحلون إلى البادية وراء الأعراب، أو يفد هؤلاء الأعراب إلى الأمصار ليتكسبوا بما يأخذه عنهم العلماء.

ومن أمثلة ذلك ما ذكره ثعلب من أن أبا عمرو الشيباني "دخل البادية ومعه دستيجتان من حبر فما خرج حتى أفناهما بكتب سماعه عن العرب٤".

وكان هؤلاء العلماء قد يأخذون أيضًا عن غير الأعراب من الرواة وأصحاب الأخبار أخذ سماع من أفواههم لا أخذ قراءة من كتبهم. ومن أمثلة ذلك أن الجاحظ -على ما هو معروف عنه من كثرة جمعه للكتب وشغفه بها ونقله منها في كتبه٥- كان يكتب كثيرًا مما يورده في كتبه إما من السماع وإما من


١ ياقوت، إرشاد "محمد بن زياد"، وانظر أيضًا نزهة الألباء: ١٠٨ ففيه "قال أبو جعفر القحطبي: ما رئي في يد ابن الأعرابي كتاب قط".
٢ القفطي، إنباه الرواة ١: ١٤٨.
٣ القفطي، إنباه الرواة ١: ١٤٨.
٤ الأنباري، نزهة الألباء: ٦٣.
٥ انظر مثلًا البيان والتبيين ٣: ٥٧-٥٨ حيث يورد حديثين عن العتبي عن أعرابيين في العصا، ثم يقول "وهذان الحديثان لم أسمعهما من عالم، وإنما قرأتهما في بعض الكتب من كتب المسجديين" وانظر أيضًا لأخذه من الكتب: البيان والتبيين ١: ٩٢، ١٣٥، ٣٧٣، ٣٧٧، ٣٧٨، ٣٨١.

<<  <   >  >>