للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحسبنا هذه الإشارة المقتضبة إلى نسابي القرن الأول، فأخبارهم كثيرة مبسوطة في مظانها١. وسننتقل إلى الحديث عن نسابي الصدر الأول ومن شهد منهم الجاهلية، ونوجز كذلك الإشارة إليهم إيجازًا.

فمن أشهر هؤلاء: دغفل النسابة٢. ذكر الهيثم بن عدي في "كتاب المثالب"٣ أن أبا عمرو بن أمية -جد عقبة بن أبي معيط- كان عبدًا لأمية اسمه ذكوان فاستلحقه. وذكر أن دغفلًا النسابة دخل على معاوية، فقال له معاوية: من رأيت من علية قريش؟ فقال: رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس. فقال: صفهما لي. فقال: كان عبد المطلب ... قال: فصف أمية. قال: رأيته شيخًا قصيرًا نحيف الجسم ضريرًا يقوده عبده ذكوان: فقال: مه، ذاك ابنه أبو عمرو. فقال: هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه، وأما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به.

وقال معاوية يومًا لدغفل٤: بم ضبطت ما أرى؟ قال: بمفاوضة العلماء.

قال: وما مفاوضة العلماء؟ قال: كنت إذا لقيت عالمًا أخذت ما عنده وأعطيته ما عندي.

ويبدو أن القوم كانوا -على عهد عمر- مقبلين على تعلم النسب، معنيين بدراسته، وكانت العصبية القبلية، والعصبية القومية العربية، تحمل كثيرًا منهم على أن يتخذ من علمه هذا وسيلة للطعن في أنساب غيره، ولذلك نهى عمر عن هذا الضرب من العلم، أو عن هذا الضرب من التوسل بالعلم، فقال٥:


١ انظر مثلًا البيان والتبيين١: ٣١٨-٣٢٤، والحيوان ١: ٣٦٥، ٣: ٢٠٩-٢١٠.
٢ أخباره في الفهرست: ١٣١.
٣ الأغاني ١: ١٢.
٤ الزمخشري، الفائق٢: ٣٠٤.
٥ الفائق ٢: ٣٨.

<<  <   >  >>