للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التلاميذ الرواة من هؤلاء الشعراء بأساتذة مدرستهم وشيوخها.

والطائفة الثانية هم الشعراء الذين لم يختصوا برواية شعر شاعر بذاته يتتلمذون له، وإنما يروون لشعراء كثيرين يتتلمذون لهم جميعًا، حتى يستقيم عودهم، ويشقوا طريقهم الشعري الذي يتفردون به ويتميزون. ولهذه الطائفة من الشعراء قيمة كبيرة في بحثنا هذا، إذ أنهم جميعًا، في أمثلتنا التي سنوردها من شعراء القرن الأول الهجري، وهم جميعًا قد رووا الشعر الجاهلي وحفظوه وتمثلوا به، بل لقد نقدوه وحكموا عليه وفاضلوا بين الشعراء الجاهليين. وقد اعتمد الرواة من علماء القرن الثاني أحكام هؤلاء الشعراء الرواة وروايتهم للشعر الجاهلي وأخذوا عنهم.

وبذلك يكون أولئك الشعراء الرواة الذين عاشوا في القرن الأول الهجري حلقة من السلسلة التي أشرنا إليها في الفصل الأول حين تحدثنا عن اتصال الرواية الأدبية من الشاعر الجاهلي إلى علماء القرن الثاني.

فمن الشعراء الرواة في القرن الأول: الطرماح. قال محمد بن سهل راوية الكميت١: أنشدت الكميت قول الطرماح.

إذا قبضت نفس الطرماح أخلقت ... عرى المجد واسترخى عنان القصائد

فقال الكميت: إي والله وعنان الخطابة والرواية.

والكميت بن زيد هذا كان كذلك راوية عالمًا بلغات العرب خبيرًا بأيامها ومثالبها. ويقال: ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت؛ فمن صحح الكميت نسبه صح، ومن طعن فيه وهن.

وكذلك كان رؤبة بن العجاج، فقد أخذ عنه كثير من العلماء الرواة اللغة، وكانوا كذلك يأخذون عنه رواية الشعر الجاهلي ونقده والحكم عليه.


١ البيان والتبيين ١: ٤٦، والشعر والشعراء: ٥٦٧.

<<  <   >  >>