للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأشار إلى أنه ينتفي ألفاظه وقوافيه انتقاء، ويتنخلها تنخلًا، ويثقف شعره حتى تلين متونه ويستوي بين يديه على ما يحب. ومن هنا جاز أن تسمَّى هذه المدرسة الشعرية مدرسة الصنعة١.

ولم تكن الرابطة الفنية وحدها هي التي تجمع بين بعض هؤلاء الشعراء، فقد ذكر لنا الرواة أن أوسًا كان زوج أم زهير٢، وكعب هو ابن زهير. وصلة الرحم هذه التي تربط بين أفراد المدرسة الفنية الواحدة، تنقلنا إلى مدرسة أخرى: فقد كان المسيب بن علس خال الأعشى بن ميمون، وكان الأعشى راويته وكان يطرد شعره ويأخذ منه٣.

وكذلك كان أبو ذؤيب الهذلي راوية لساعدة بن جؤية الهذلي٤

ولو تتبعنا هذه الصلة بين شعراء الجاهلية لوجدنا الكثيرين منهم ذوي رحم.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك -غير من ذكرنا- هؤلاء الثلاثة: المرقش الأكبر، والمرقش الأصغر، وطرفة بن العبد. فقد كان المرقش الأكبر عم الأصغر، والأصغر عم طرفة٥. وكذلك كان مهلهل خال امرئ القيس. فلعل الأمر في هؤلاء الشعراء قد جرى على ما جرى عليه الشعراء السابقون من أصحاب المدرسة الفنية الواحدة، ولعل المرقش الأصغر كان راوية عمه المرقش الأكبر، وطرفة راوية عمه المرقش الأصغر، ولعل امرأ القيس كان كذلك راوية خاله مهلهل٦.

والأمر بعد هذا يحتاج إلى دراسة فنية، ليس هذا مجالها، لشعر هؤلاء الشعراء حتى تنجلي لنا الأصول الشعرية التي قامت عليها كل مدرسة ومدى تأثر


١ الدكتور شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي "ط. ثانية" ص١٣-١٥.
٢ ابن سلام: ٨١.
٣ الموشح: ٥١، والشعر والشعراء ١: ١٢٧.
٤ ابن قتيبة، الشعر والشعراء: ٦٣٥.
٥ ابن سلام: ٣٤، ومعجم المرزباني: ٢٠١، والأغاني ٦: ١٣٦.
٦ ذكر ابن رشيق في العمدة ١: ٦١ "مطبعة السعادة سنة ١٩٠٧" أن امرأ القيس كان راوية أبي دواد الإيادي، قال: وكان امرؤ القيس يتوكأ عليه ويروي شعره".

<<  <   >  >>