للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ما انتقلنا بعد ذلك إلى الحديث عن جرير والفرزدق، وجدنا في الحديث عنهما ما يكشف عن مدى معرفة هؤلاء الشعراء بأخبار الجاهلية وأيامها ورواية شعرها. وعرفنا شيئًا آخر ذا قيمة خاصة، وهو أن علماء القرن الثاني قد أخذوا بعض علمهم عن الجاهلية وشعرها عن هؤلاء الشعراء، وخاصة جريرًا والفرزدق.

فأما جرير فقد كان جده الخطفي، واسمه حذيفة بن بدر، من القدماء العلماء بالنسب وأخبار العرب١، وكان كذلك شاعرًا وقد أدركه جرير وأخذ عنه٢. وروى أبو عبيدة عن مسحل بن زيداء -وهي بنت جرير- عن أبيها جرير، أخبارًا عن أيام الجاهلية منها خبر عن يوم ذي قار٣، وكذلك روى عنه نقدًا مفصلًا لشعر بعض شعراء الجاهلية٤. وكان خلفاء بني أمية يسألونه عن الشعراء: الجاهليين منهم والإسلاميين، فيخبرهم بشعرهم وبنقده وأحكامه على هؤلاء الشعراء٥. فمن أمثلة ما كان يقوله: إن طرفة -وقد كنى عنه بابن العشرين- أشعر الناس، وإن زهيرًا والنابغة كانا ينيران الشعر ويسديانه، وإن امرأ القيس اتخذ من الشعر نعلين يطؤهما كيف شاء ...

وقد كان طلب جرير والفرزدق لأخبار الجاهلية وأنساب العرب مما يضطران إليه، ليضمناه شعرهما حين يهجوان وحين يمدحان، ولذلك قال أبو عبيدة عنهما٦ "هما بئس الشيخان، ما خلق الله أشأم منهما على قومهما، إنهما أخرجا مثالب بني تميم وعيوبهم، وكانا أعلم الناس بعيوب الناس.


١ البيان والتبيين ١: ٣٦٦.
٢ طبقات فحول الشعراء: ٣١٩-٣٢١.
٣ النقائض: ٦٤٧.
٤ النقائض: ١٠٤٧-١٠٤٨، وانظر الأغاني ٨: ١٩٩-٢٠٠.
٥ أمالي القالي ٢: ١٧٩.
٦ النقائض: ١٠٤٩.

<<  <   >  >>