للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الفرزدق فقد تعلم الشعر وروايته وكلام العرب صغيرًا، وهذا أبوه غالب بن صعصعة حينما وفد على علي بن أبي طالب في خلافته ومعه ابنه الفرزدق قال لعلي١: قد رويته الشعر يا أمير المؤمنين وكلام العرب، ويوشك أن يكون شاعرًا مجيدًا. وقد كان بعد ذلك يطلب الأنساب والأخبار والمثالب ليضمنها شعره حتى إنه حين قدم عمر بن لجإ التيمي البصرة خرج إليه الفرزدق ومعه روايته ابن مسويه، وكان يكتب شعره، فقال الفرزدق لابن لجإ٢:

يا أبا حفص، إن ابن عمي شبة بن عقال كتب إلي أن بني جعفر هجوه وهو مفخم، وقد استغاث بي، ولست أعرف مثالبهم ولا ما يُهجون به. قال عمر: لكني قد طانبتهم في الحال، وسايرتهم في النجع، وحضرت معهم وبدوت. فقال الفرزدق: هاتوا لي صحيفة أكتب فيها ما أريد من ذلك. قال: فأتوه بصحيفة فكتب فيها المثالب التي هجاهم بها في القصيدة التي يقول فيها:

ونبئت ذا الأهدام يعوي ودونه ... من الشأم زراعاتها وقصورها٣

ويبدو أن الفرزدق كان كثير الرواية لشعر امرئ القيس حافظًا لأخباره، ويعلل العلماء كثرة روايته لشعر امرئ القيس وأخباره بأن امرأ القيس صحب عمه شرحبيل بن الحارث قبل يوم الكلاب، وكان شرحبيل مسترضعًا في بني دارم رهط الفرزدق، فلحق امرؤ القيس بعمه، فلذلك حفظ الفرزدق أخباره٤.

وبعض أخبار الفرزدق عن امرئ القيس متصلة إلى الجاهلية نفسها، وربما إلى عصر امرئ القيس نفسه، فالفرزدق يذكر أن جده قد حدثه بها، وجده شيخ كبير وهو يومئذ غلام حافظ لما يسمع٥.


١ البغدادي، الخزانة ١: ٢٠٦.
٢ النقائض: ٩٠٧-٩٠٨.
٣ ذو الأهدام: اسمه نفيع، وهو أحد بني جعفر بن كلاب. وزراعاتها: الأرض التي تزرع منها.
٤ ابن قتيبة، الشعر والشعراء ١: ٧٠-٧١، وجمهرت أشعار العرب: ٨٥.
٥ المصدران السابقان.

<<  <   >  >>