له أهل العلم والرواية يطالبونه بالإسناد. حدث المازني قال١ "روى برزخ بن محمد العروضي -وكان معاصرًا لحماد الراوية وجناد وكان متهمًا بالكذب- شعرًا لامرئ القيس، فقال له جناد: عمن رويت هذا؟ قال: عني، وحسبك بي!
فقال له جناد: من هذا أتيت يا غافل".
ولو كان الإسناد أصلًا من أصول الرواية الأدبية -كما هو في رواية الحديث- إذن لوجدنا بين يدي كل خبر وكل بيت من الشعر أو مجموعة من الأبيات إسنادًا ملتزمًا كالإسناد الذي يلتزم بين يدي كل حديث نبوي، ولكان كل سند من هذه الأسانيد الأدبية متصلًا مرفوعًا في الشعر إلى الشاعر الجاهلي أو إلى راويته، وفي الخبر إلى من شهده في الجاهلية، ولوجدنا بعد ذلك كتبًا يعنى فيها أصحابها بتخريج الشعر الجاهلي من طرقه المختلفة، ثم لوجدنا كتبًا في تعديل رواة الأدب وتجريحهم كما هو الشأن عند أصحاب الحديث.
ولك ذلك لا نجده فيما بين أيدينا، فأكثر الشعر الجاهلي في كتب الأدب العامة وبعض الدواوين غير مسند، وأما المسند منه فأقصى ما يصل إليه إسناده هم الطبقة الأولى من العلماء الرواة في منتصف القرن الثاني، وبعضه لا يرقى إلا إلى الطبقة الثانية، وأحيانًا إلى الطبقة الثالثة من علماء مطلع القرن الثالث ونهايته. وليس بين أيدينا كتاب واحد لتخريج الشعر الجاهلي من طرقه المختلفة، ولا كتاب واحد للجرح والتعديل في رواة الأدب، ولا ينقض هذا القول ما نجده في بعض معاجم الرجال وطبقات الأدباء واللغويين والنحويين، فهي كتب في التاريخ الأدبي العام، تترجم للعالم أو الراوية ترجمة عمادها السرد والقصص من غير توجيه لهذا السرد أو لتلك القصص لتدل على حكم خاص في توثيق المترجم له أو تضعيفه، إلا في القليل النادر حيث نجد الاتهام بالكذب أو الوضع يلقى إلقاءً مجردًا من البينة والدليل، بل لا يكاد ينتهي المؤلف من إلقاء اتهامه حتى