للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكتفون فيه بذكر شيخهم الذي أخذوا عنه هذا العلم، أو يتجاوزون شيخهم وربما شيخ شيخهم، ويقنعون بذكر أول من رُوي عنه هذا الشعر أو ذلك الخبر، مختصرين الإسناد اختصارًا إلى نهايته، ونراهم حينًا ثالثًا يحذفون الإسناد ويهملونه إهمالًا ويلقون بالخبر أو الشعر قائمًا مجردًا. وكان العلماء الرواة من معاصريهم وتلاميذهم يقبلون منهم كل ذلك ويوثقونه: يقبلون إسنادهم المتصل، ويقبلون إسنادهم المنقطع حين يقف عند شيخهم، وحين يهمل حلقة أو حلقتين من هذه السلسلة ويكتفي بأول حلقاتها، ثم يقبلون منهم الخبر وحده من غير إسناد.

فإذا كان ذلك كذلك فما معنى الإسناد إذن؟ والجواب على ذلك مفصل فيما قدمناه عن مجالس العلم وعن التصحيف في فصل سابق. فقد كان العلماء يضعفون من يقتصر في علمه على الأخذ من الصحف من غير أن يلقى العلماء ويأخذ عنهم في مجالس علمهم، ويسمونه صحفيًّا، ومن هنا اشتقوا "التصحيف" وأصله "أن يأخذ الرجل اللفظ من قراءته في صحيفة ولم يكن سمعه من الرجال فيغيره عن الصواب". فالإسناد في الرواية الأدبية لم يكن، فيما نرى، إلا دفعًا لهذه التهمة، وإلا حجة يقدمها العالم على أنه أخذ علمه من أفواه الشيوخ في مجالس العلم. فإذا ما بلغ هذا العالم من العلم شأوًا بعيدًا، وعرفت منزلته بين العلماء، واشتهر أمر شيوخه وأنه أخذ العلم عن فلان وفلان في مجالسهم وحلقات درسهم فلا عليه بعد ذلك أن يهمل الإسناد، فهو يسند حينًا إسنادًا متصلًا أو إسنادًا منقطعًا، وهو يحذف الإسناد حينًا آخر واثقًا مطمئنًا إلى أن ذلك لن يضيره.

أما إذا كان أمر العالم على غير هذا الوجه، وكان متهمًا بأنه يمنح من ذات نفسه، وأنه لم يأخذ ما يروي عن عالم من شيوخ العلم قبله، فحينذاك يتصدى

<<  <   >  >>