للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسيحي والمجتمع اليهودي: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} ١ ولم يكن للوثنيين كتاب من هذا الضرب. وهذا أمر من الصعب أن نفترض أن القرآن أخطأ فيه، فإن رسولًا إلى الهندوس قد يحكم على كتبهم بأنها لا قيمة لها وأنها مضللة، ولكنه لا ينكر وجودها. ولو أن الشعر الجاهلي كان مكتوبًا لكان للجاهليين كثير من الكتب "وهي كتب في الحقيقة موحى بها"، قد تكون غير مشذبة أو مصقولة -مع أنها لم تكن جميعًا كذلك كما سنرى- ولكنها مع ذلك كافية لأن تجيب عن أسئلة القرآن بالإثبات؛ ولكن القرآن، لا شك، يزعم أن الجواب بالنفي٢".

أما الوجه الثاني فهو ما يدعوه "مجرى التطور الأدبي"، وهو، في حديثه هذا، يجمجم في ألفاظه ولا يكاد يبين، ومع ذلك فإن الهدف الذي يرمي إليه واضح، فهو يذهب إلى أن الأدب في تطوره يسير عادة، وربما دائمًا، من الصور الشاذة غير المنتظمة إلى الصور المألوفة المنتظمة، ومن هنا يرى أن الشعر الذي يزعم أنه جاهلي إنما هو مرحلة تالية للقرآن لا سابقة عليه، وذلك قوله٣: "إن الأساليب الأدبية العربية، سواء النثر المسجوع والشعر، فيها مشابه من أسلوب القرآن. وفي القرآن آيات لا ينكر أنها نثر مسجوع إلا الغلاة من المتشددين؛ وفيه أيضًا، في مواطن متعددة، أمثلة على كثير من الأوزان الشعرية. والتطور من الأسلوب القرآني إلى الأسلوب المنتظم Regular يبدو متمشيًا مع المألوف.

وإذا كان القرآن أول أثر في اللغة يظهر فيه الفن الأدبي فإن ما يدعيه لنفسه من الإعجاز في الفصاحة أمر من اليسير على الناس فهمه، وهو لا يختلف بذلك


١ الأنعام: ١٥٦.
٢ المقالة السابقة: ٤٢٥-٤٢٦.
٣ ص٤٢٦.

<<  <   >  >>