للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كثيرًا عما يدعيه لأنفسهم أولئك الذين أدخلوا، لأول مرة، النظم في اللغة أو ينسبه إليهم الآخرون. أما إذا كان المستمعون قد تعودوا سماع النثر المسجوع والشعر الكامل المصقول كما يبدوان في أساليب الآثار الأدبية التي تدل في ظاهرها على أنها جاهلية، فإن من العسير إقامة الدليل على هذا الادعاء".

٥- ثم يتطرق بعد ذلك إلى الحديث عن الرواة من علماء القرنين الثاني والثالث الهجريين، فيذكر حمادًا، وجنادًا، وخلفًا الأحمر، وأبا عمرو بن العلاء، والأصمعي، وأبا عمرو الشيباني، وابن إسحاق صاحب السيرة، والمبرد، فيجمع بعض ما انتثر في الكتب العربية من إشارات تُشيع الشك في بعض ما جمعوا أو أوردوا من الشعر الجاهلي١، ثم أضاف إلى ذلك آراء هؤلاء الرواة العلماء بعضهم في بعض، فقال٢: "إن هؤلاء العلماء لم يكن يوثق بعضهم بعضًا، فابن الأعرابي كان يتهم الأصمعي وأبا عبيدة، وربما بادلوه اتهامًا باتهام، ولا شك في أن كلًّا منهم كان يتهم الآخر". وسنورد تفصيل هذه الروايات في الفصل التالي.

وقد ختم حديثه عن هذه النقطة بقوله٣: "وقد نقبل أن بعض العلماء كانوا يشكون، بل كانوا ينقدون، فلم يضعوا ولم ينحلوا، وأدخلوا في مجموعاتهم ما كانوا يعتقدون أنه حقيقة شعر قديم، ولكن هذا يعود بنا إلى التساؤل عن مصادرهم. فقد كانت رسالة محمد حدثًا عظيمًا في بلاد العرب: كانت انفصالًا عن الماضي يندر مثيله في التاريخ. فقد ترك الناس، من جميع أنحاء شبه الجزيرة، مساكنهم ليستوطنوا في بلاد لم يكن إلا القليل منهم يسمع بها. وقد واكبت الإسلام وتلته حروب أهلية في داخل شبه الجزيرة. ولم يكن الإسلام متسامحًا مع الوثنية القديمة حتى ولا تسامح استصغارًا لشأنها، بل كان يناصبها أشد


١ من صفحة: ٤٢٨ إلى ٤٣٤.
٢ ص٤٣٠.
٣ ص٤٣٣-٤٣٤.

<<  <   >  >>