للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العداء، ولم يقبل أن يلتقي معها في مكان سوى. فإذا كان الشعراء هم لسان الوثنية الناطق، فمن هم أولئك الذين حفظوا في صدورهم، ثم نقلوا إلى غيرهم، تلك الأشعار التي تنتسب إلى نظام أبطله الإسلام؟ ونستطيع أن نتتبع الشعور بهذه الصعوبة في ذلك الحل الذي يقال إن حمادًا قدمه، وهو أن الأشعار كانت مدفونة حينما كانت الحماسة للإسلام في أشدها، ثم اكتشفت مصادفة حينما بردت تلك الحماسة بعض الشيء".

ولكن مرجوليوث لا يطمئن إلى ما انتهى إليه: فلا يكاد يتم حديثه السابق حتى يعقب عليه بقوله إن هؤلاء الشعراء لم يكونوا كما يبدو عليهم "لسان الوثنية الناطق، بل كانوا مسلمين في كل شيء ما عدا الاسم"١ ومن أجل أن يبرهن على حكمه هذا ينتقل إلى الضرب الثاني من الأدلة التي يرى أنها كفيلة بإشاعة الشك في صحة الشعر الجاهلي، وهي الأدلة الداخلية:

١- وأول هذه الأدلة الداخلية -كما يراها مرجوليوث- هو ما في هذا الشعر الجاهلي من إشارات إلى قصص ديني ورد في القرآن، وما فيه من كلمات دينية إسلامية مثل: الحياة الدنيا، ويوم القيامة، والحساب، وبعض صفات الله. وقد بدأ مرجوليوث حديثه عن هذا الدليل بقوله٢: "إن الشعراء، من جميع الأمم، لا يتركون الناس بعدهم يشكون في أمر ديانتهم، والعرب في نقوشهم واضحون صريحون كذلك في هذا الموضوع، فإن أكثر هذه النقوش تذكر إلهًا أو آلهة وأمورًا تتصل بعبادتها.. ولكن الإشارات إلى الدين في الأشعار التي بين أيدينا قليلة ... ولا نجد من الشعر جو الآلهة المتعددة الذي نجده في النقوش. وربما كان هذا الذي أوحى للأب شيخو نظريته في أنهم كانوا جميعًا نصارى، ولكن يبدو أن هذه النظرية غير صحيحة، فإن بعض هؤلاء الذين افترض أنهم نصارى عبروا عن أنفسهم بطريقة تظهر في وضوح أنهم ينتسبون إلى مجتمع آخر مختلف.


١ ص٤٣٤.
٢ ص٤٣٤.

<<  <   >  >>