للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن ذلك ينتهي إلى أن ما زاده حماد كان يشبه لغة الشاعر الحقيقي الأصيل وإحساسه وعاطفته شبهًا يستحيل معه التمييز بينه وبين شعر الشاعر الأصيل.

فإذا كان ذلك كذلك فكيف أمكن أن يُعرف أنها موضوعة منحولة، إذا لم يكن ثمة من يعرف القصيدة في صورتها الأولى من غير ما أضيف عليها من زيادات موضوعة؟ ومن يكون ذلك العالم سوى المفضل نفسه؟

ثم يورد ليال خبرًا آخر عن المفضل وحماد، وهو يصف لنا هذا الخبر بأنه نموذج ومثال للطريقة التي زعم الرواة أن حمادًا أفسد بها الشعر القديم. وذلك قول أبي الفرج١ عن جماعة من الرواة قالوا: "إنهم كانوا في دار أمير المؤمنين المهدي بعيساباذ، وقد اجتمع فيها عدة من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب، فدعا بالمفضل الضبي الراوية فدخل، فمكث مليًّا ثم خرج إلينا ومعه حماد والمفضل جميعًا، وقد بان في وجه حماد الانكسار والغم، وفي وجه المفضل السرور والنشاط، ثم خرج حسين الخادم معها، فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم: إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمادًا الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها، ووصل المفضل بخمسين ألفًا لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعرًا جيدًا محدثًا: فليسمع من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضل". ثم يذكر أبو الفرج، عمن روى عنه، سبب ذلك ويفصل ما جرى بين حماد والمفضل في حضرة المهدي من زيادة حماد بيتين قبل مطلع قصيدة زهير:

دع ذا وعد القول في هرم

ويعقب ليال على هذا الخبر بقوله٢: "إن هذه القصة تتضمن أن المهدي


١ الأغاني "دار الكتب" ٦: ٨٩-٩٠.
٢ مقدمة المفضليات ص١٨.

<<  <   >  >>